للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية بنت حيي بن أخطب سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ وَلَدِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ أَخِي مُوسَى، فَهِيَ ابْنَةُ نَبِيٍّ، وَزَوْجَةُ نَبِيٍّ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ لَهُ مِنَ الصَّفِيِّ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَتَصِيرَ زَوْجَتَهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ: أَعْتَقْتُ أَمَتِي، وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: جَعَلْتُ عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، صَحَّ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، وَصَارَتْ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَلَا وَلِيٍّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أحمد، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْأُمَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ حَتَّى يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا خَصَّهُ بِنِكَاحِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ قَالَ فِيهَا: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠] [الْأَحْزَابِ ٥٠] وَلَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْمُعْتَقَةِ، وَلَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْطَعَ تَأَسِّي الْأُمَّةِ بِهِ فِي ذَلِكَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةِ مَنْ تَبَنَّاهُ لِئَلَّا يَكُونَ عَلَى الْأُمَّةِ حَرَجٌ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ مَنْ تَبَنَّوْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَكَحَ نِكَاحًا فَلِأُمَّتِهِ التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ مَا لَمْ يَأْتِ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ نَصٌ بِالِاخْتِصَاصِ وَقَطْعِ التَّأَسِّي، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

وَلِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَسْطِ الْحِجَاجِ فِيهَا - وَتَقْرِيرِ أَنَّ جَوَازَ مِثْلِ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ وَالْقِيَاسِ - مَوْضِعٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ تَنْبِيهًا.

ثُمَّ تَزَوَّجَ ميمونة بنت الحارث الهلالية، وَهِيَ آخِرُ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا، تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقِيلَ: قَبْلَ إِحْلَالِهِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَهِمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا بِالنِّكَاحِ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالْقِصَّةِ، وَهُوَ أبو رافع، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَقَالَ: كُنْتُ أَنَا السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ لَهُ نَحْوُ الْعَشْرِ سِنِينَ أَوْ فَوْقَهَا، وَكَانَ غَائِبًا عَنِ الْقِصَّةِ لَمْ يَحْضُرْهَا، وأبو رافع رَجُلٌ بَالِغٌ، وَعَلَى يَدِهِ دَارَتِ الْقِصَّةُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْجِيحِ مُوجِبٌ لِلتَّقْدِيمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>