للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ الرَّءُوفِ بِأُمَّتِهِ الرَّحِيمِ بِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَسِبَابٍ تُوجِبُ لَهُمْ سَمَاعَ الْمَكْرُوهِ أَوْ وُقُوعَهُ، وَأَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى أَسْمَاءٍ تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ، هَذَا أَوْلَى، مَعَ مَا يَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيقِ ضِدِّ الِاسْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَمَّى يَسَارًا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْسَرِ النَّاسِ، وَنَجِيحًا مَنْ لَا نَجَاحَ عِنْدَهُ، وَرَبَاحًا مَنْ هُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ. وَأَمْرٌ آخَرُ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يُطَالَبَ الْمُسَمَّى بِمُقْتَضَى اسْمِهِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَمِّهِ وَسَبِّهِ كَمَا قِيلَ:

سَمَّوْكَ مِنْ جَهْلِهِمْ سَدِيدًا ... وَاللَّهِ مَا فِيكَ مِنْ سَدَادِ

أَنْتَ الَّذِي كَوْنُهُ فَسَادًا ... فِي عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ

فَتَوَصَّلَ الشَّاعِرُ بِهَذَا الِاسْمِ إِلَى ذَمِّ الْمُسَمَّى بِهِ. وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ:

وَسَمَّيْتُهُ صَالِحًا فَاغْتَدَى ... بِضِدِّ اسْمِهِ فِي الْوَرَى سَائِرًا

وَظَنَّ بِأَنَّ اسْمَهُ سَاتِرٌ ... لِأَوْصَافِهِ فَغَدَا شَاهِرًا

وَهَذَا كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَدْحِ مَا يَكُونُ ذَمًّا وَمُوجِبًا لِسُقُوطِ مَرْتَبَةِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُمْدَحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَتُطَالِبُهُ النُّفُوسُ بِمَا مُدِحَ بِهِ وَتَظُنُّهُ عِنْدَهُ فَلَا تَجِدُهُ كَذَلِكَ فَتَنْقَلِبُ ذَمًّا، وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ مَدْحٍ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ وَيُشْبِهُ حَالُهُ حَالَ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً سَيِّئَةً، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا، فَإِنَّهُ تَنْقُصُ مَرْتَبَتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، وَيَنْقُصُ فِي نَفُوسِ النَّاسِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَفِي هَذَا قَالَ الْقَائِلُ:

إِذَا مَا وَصَفْتَ امْرَأً لِامْرِئٍ ... فَلَا تَغْلُ فِي وَصْفِهِ وَاقْصِدْ

فَإِنَّكَ إِنْ تَغْلُ تَغْلُ الظُّنُونُ ... فِيهِ إِلَى الْأَمَدِ الْأَبْعَدِ

فَيَنْقُصُ مِنْ حَيْثُ عَظَّمْتَهُ ... لِفَضْلِ الْمَغِيبِ عَنِ الْمَشْهَدِ

وَأَمْرٌ آخَرُ: وَهُوَ ظَنُّ الْمُسَمَّى وَاعْتِقَادُهُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَقَعُ فِي تَزْكِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>