للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، لَا حَتْمٍ وَإِيجَابٍ، وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ النِّسَاءُ خَاصَّةً، وَأَمَّا الرِّجَالُ، فَيَسْتَأْذِنُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ جَمْعَ " الَّذِينَ " لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَإِنْ جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِنَّ مَعَ الذُّكُورِ تَغْلِيبًا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَكْسَ هَذَا: إِنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، نَظَرًا إِلَى لَفْظِ " الَّذِينَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَكِنْ سِيَاقُ الْآيَةِ يَأْبَاهُ فَتَأَمَّلْهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ زَالَتْ، وَالْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، فَرَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " ( «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: ٥٨] الْآيَةَ [النُّورِ: ٥٨] . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، يُحِبُّ السِّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ، أَوِ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ» )

وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَعَنَ فِي عكرمة، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَطَعَنَ فِي عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَإِنْكَارُ هَذَا تَعَنُّتٌ وَاسْتِبْعَادٌ لَا وَجْهَ لَهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عَامَّةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ، وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>