للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( «وَأَرْشَدَ مَنْ بُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ وَسْوَسَةِ التَّسَلْسُلِ فِي الْفَاعِلِينَ، إِذَا قِيلَ لَهُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ أَنْ يَقْرَأَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٣] » )) [الْحَدِيدِ: ٣] .

كَذَلِكَ ( «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأبي زميل سماك بن الوليد الحنفي، وَقَدْ سَأَلَهُ: مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ فَقَالَ لِي: أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ لِي: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] [يُونُسَ: ٩٤] قَالَ: فَقَالَ لِي: فَإِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا، فَقُلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٣] » )

فَأَرْشَدَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى بُطْلَانِ التَّسَلْسُلِ الْبَاطِلِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَأَنَّ سِلْسِلَةَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي ابْتِدَائِهَا تَنْتَهِي إِلَى أَوَّلَ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، كَمَا تَنْتَهِي فِي آخِرِهَا إِلَى آخِرٍ لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، كَمَا أَنَّ ظُهُورَهُ هُوَ الْعُلُوُّ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، وَبُطُونَهُ هُوَ الْإِحَاطَةُ الَّتِي لَا يَكُونُ دُونَهُ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ لَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الرَّبَّ الْخَلَّاقَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى خَالِقٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ وَغَنِيٍّ عَنْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ بِهِ. قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَوُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمِهِ بَاقٍ بِذَاتِهِ، وَبَقَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ فَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، الظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، الْبَاطِنُ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>