للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْقَوْلِ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ حَدِيثِ شريك، وَقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، وَبَيْنَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ كَانَ هَذَا مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً قَبْلَ الْوَحْيِ؛ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ شريك: " وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ "، وَمَرَّةً بَعْدَ الْوَحْيِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ: مَرَّةً قَبْلَ الْوَحْيِ، وَمَرَّتَيْنِ بَعْدَهُ، وَكُلُّ هَذَا خَبْطٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ضُعَفَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ مِنْ أَرْبَابِ النَّقْلِ الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا فِي الْقِصَّةِ لَفْظَةً تُخَالِفُ سِيَاقَ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَعَلُوهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَكُلَّمَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الرِّوَايَاتُ عَدَّدُوا الْوَقَائِعَ، وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ النَّقْلِ أَنَّ الْإِسْرَاءِ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ.

وَيَا عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ مِرَارًا، كَيْفَ سَاغَ لَهُمْ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ رَبِّهِ وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى تَصِيرَ خَمْسًا، ثُمَّ يَقُولُ: " «أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» "، ثُمَّ يُعِيدُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إِلَى خَمْسِينَ، ثُمَّ يَحُطُّهَا عَشْرًا عَشْرًا، وَقَدْ غَلَّطَ الْحُفُّاظُ شريكا فِي أَلْفَاظٍ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، ومسلم أَوْرَدَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ، وَلَمْ يَسْرُدِ الْحَدِيثَ، فَأَجَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

[فَصْلٌ في دَعْوَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَبَائِلَ]

فَصْلٌ

فِي مَبْدَأِ الْهِجْرَةِ الَّتِي فَرَّقَ اللَّهُ فِيهَا بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَجَعَلَهَا مَبْدَأً لِإِعْزَازِ دِينِهِ، وَنَصْرِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>