للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْغَارِ، قَالَ أبو بكر: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَأَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِئِ الْجِحَرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ الْجِحَرَةَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَ» ) ، فَمَكَثَا فِي الْغَارِ ثَلَاثَ لِيَالٍ حَتَّى خَمَدَتْ عَنْهُمَا نَارُ الطَّلَبِ، فَجَاءَهُمَا عبد الله بن أريقط بِالرَّاحِلَتَيْنِ فَارْتَحَلَا وَأَرْدَفَ أبو بكر عامر بن فهيرة وَسَارَ الدَّلِيلُ أَمَامَهُمَا، وَعَيْنُ اللَّهِ تَكْلَؤُهُمَا، وَتَأْيِيدُهُ يَصْحَبُهُمَا، وَإِسْعَادُهُ يُرَحِّلُهُمَا وَيُنْزِلُهُمَا.

وَلَمَّا يَئِسَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الظَّفَرِ بِهِمَا جَعَلُوا لِمَنْ جَاءَ بِهِمَا دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَجَدَّ النَّاسُ فِي الطَّلَبِ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، فَلَمَّا مَرُّوا بِحَيِّ بَنِي مُدْلِجٍ مُصْعِدِينَ مِنْ قُدَيْدٍ، بَصُرَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ، فَوَقَفَ عَلَى الْحَيِّ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ آنِفًا بِالسَّاحِلِ أَسْوِدَةً مَا أُرَاهَا إِلَّا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَفَطِنَ بِالْأَمْرِ سراقة بن مالك، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الظَّفَرُ لَهُ خَاصَّةً وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الظَّفَرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ فَقَالَ: بَلْ هُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، خَرَجَا فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُمَا، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ وَقَالَ لِخَادِمِهِ: اخْرُجْ بِالْفَرَسِ مِنْ وَرَاءِ الْخِبَاءِ وَمَوْعِدُكَ وَرَاءَ الْأَكَمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ رُمْحَهُ وَخَفَضَ عَالِيَهُ يَخُطُّ بِهِ الْأَرْضَ، حَتَّى رَكِبَ فَرَسَهُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْتَفِتُ، فَقَالَ أبو بكر: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا سراقة بن مالك قَدْ رَهَقَنَا، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا، فَادْعُوَا اللَّهَ لِي، وَلَكُمَا عَلَيَّ أَنْ أَرُدَّ النَّاسَ عَنْكُمَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطْلَقَ، وَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَكَتَبَ لَهُ أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>