للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَعْرَاضٌ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ جِسْمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَبْعَادَ هِيَ أَعْرَاضٌ مِنْ بَابِ الْكَمِّيَّةِ وَلَا بُدَّ، وَلَكِنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي الْآرَاءِ السَّالِفَةِ الْقَدِيمَةِ وَالشَّرَائِعِ الْغَابِرَةِ أَنَّ ذَلِكَ " الْمَوْضِعَ " هُوَ مَسْكَنُ الرُّوحَانِيِّينَ وَيُرِيدُونَ اللَّهَ وَالْمَلَائِكَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِمَكَانٍ وَلَا (يَجُوزُ) أَنْ يَحْوِيَهُ زَمَانٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ كُلُّ مَا يَحْوِيهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَاسِدًا فَقَدْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَالِكَ غَيْرَ فَاسِدٍ وَلَا كَائِنٍ. وَقَدْ تَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا أَقُولُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا شَيْءٌ يُدْرَكُ إِلَّا هَذَا الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ أَوِ الْعَدَمَ، وَكَانَ مِنَ الْمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ (بِنَفْسِهِ) إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَى الْوُجُودِ أَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِي الْوُجُودِ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: مَوْجُودٌ فِي الْعَدَمِ، فَإِنْ كَانَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ فَهُوَ أَشْرَفُ الْمَوْجُودَاتِ، فَوَاجِبٌ إِلَى أَنْ يُنْسَبَ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَحْسُوسِ إِلَى الْجُزْءِ الْأَشْرَفِ وَهُوَ السَّمَاوَاتُ، وَلِشَرَفِ هَذَا الْجُزْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: ٥٧] وَهَذَا كُلُّهُ يَظْهَرُ عَلَى التَّمَامِ لِلْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ إِثْبَاتَ الْجِهَةِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَأَنَّهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ وَانْبَنَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ إِبْطَالَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ إِبْطَالٌ لِلشَّرَائِعِ ثُمَّ سَاقَ تَقْرِيرَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِهِ فَهَذَا كَلَامُ فَيْلَسُوفِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ أَخْبَرُ بِمَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ

<<  <   >  >>