للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ ابْتِلَاءً مِنِّي لَهُ، وَاخْتِبَارًا، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَجَعَلْتُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ، بَلْ أَبْتَلِي عَبْدِي بِالنِّعَمِ كَمَا أَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ.

فَإِنْ قِيلَ - فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِهِ: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: ١٥] . فَأَثْبَتَ الْإِكْرَامَ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {رَبِّي أَكْرَمَنِي} [الفجر: ١٥] وَقَالَ: (كَلَّا) . أَيْ: لَيْسَ ذَلِكَ إِكْرَامًا مِنِّي وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِلَاءٌ فَكَأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْإِكْرَامَ وَنَفَاهُ؟ .

قِيلَ: الْإِكْرَامُ الْمُثْبَتُ غَيْرُ الْإِكْرَامِ الْمَنْفِيِّ، وَهُمَا مِنْ جِنْسِ النِّعْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ، فَلَيْسَ هَذَا الْإِكْرَامُ الْمُقَيَّدُ بِمُوجِبٍ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِكْرَامِ الْمُطْلَقِ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قِيلَ إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةً مُطْلَقَةً وَلَكِنَّهُ رَدَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَبَدَّلَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُعْطِيَ مَالَا يَعِيشُ بِهِ فَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: ٢٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧] ، فَهِدَايَتُهُ إِيَّاهُمْ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَبَدَّلُوا نِعْمَتَهُ وَآثَرُوا عَلَيْهَا الضَّلَالَ. فَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ: هَلْ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ أَمْ لَا؟ وَأَكْثَرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ مِنْ جِهَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا:

<<  <   >  >>