للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ سَاقِطٌ بِالْإِكْرَاهِ: وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ وَحْدَهَا وَالْأَصَحُّ: يَقَعُ، لِقَصْدِهِ بِلَفْظِهِ. وَعَلَى هَذَا فَصَرِيحُ لَفْظ الطَّلَاقِ عِنْد الْإِكْرَاهِ: كِنَايَةٌ إنْ نَوَى وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا الثَّانِي: فَاسْتَثْنَى مِنْهُ ابْنُ الْقَاصِّ صُورَةً، وَهِيَ: مَا إذَا قِيلَ لَهُ: طَلَقَتْ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ: يَلْزَمهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا، وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ: الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ " نَعَمْ " كِنَايَةٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّة.

وَالْمَعْرُوفُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي صَرَاحَتِهِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَمْ تَسْلَمْ كِنَايَةٌ عَنْ الِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةُ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ " الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ " قَوْلُهُمْ " يُشْتَرَط فِي وُقُوع الطَّلَاقِ قَصْدُ حُرُوفِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَاهُ " وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ فِي الْكِنَايَةِ: قَصْدُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَفِي الصَّرِيحِ قَصْدُ مَعْنَى اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ، لَا الْإِيقَاعُ لِيَخْرُجَ مَا إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ، وَمَا إذَا نَوَى غَيْرَ مَعْنَى الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ كَالْحَلِّ مِنْ وَثَاقٍ. وَيَدْخُلُ مَا إذَا قَصَدَ الْمَعْنَى وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِيقَاعَ، كَالْهَازِلِ.

الثَّانِي: مِنْ الْمُشْكِلِ، قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِي الْوَقْفِ: وَقَوْلُهُ " تَصَدَّقْت " فَقَطْ: لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَإِنْ نَوَى، إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْوِي، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرهُ صَرِيحًا، وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَنَا صَرِيحٌ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ نَوَى لَمْ يَحْصُلْ الْوَقْفُ، إلَّا أَنْ يُضِيفَ، وَهِيَ حَسَنَةٌ، فَإِنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ كَمَا عَدَّهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ نَحْو عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ

الثَّالِثُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ: اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي التَّصْدِيق فَقَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ، وَالْكَذِبِ كَحَرَكَةِ الرَّأْسِ الدَّالَّةِ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ، فَيُشْبِهُ أَنْ لَا تُجْعَلَ إقْرَارًا أَوْ يُجْعَلَ فِيهِ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ.

الرَّابِعُ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسْأَلَةِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ، وَقَالَ: أَرَدْت أَنَّهَا حَرَامٌ: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ: إنْ جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، أَوْ كِنَايَةً، فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ: لَكِنْ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ هَذَا التَّصْوِيرُ ; لِأَنَّهُ يَنْوِي

<<  <   >  >>