للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا يَكَادُ يَتَّضِحُ فَرْقٌ بَيْنَ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ وَفَوَّضْته إلَيْك وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّ وَلَّيْتُك مُتَعَيِّنٌ لِجَعْلِهِ قَاضِيًا وَفَوَّضْت إلَيْك مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يُرَادَ تَوْكِيلُهُ فِي نَصْبِ قَاضٍ. وَمِنْ الْكِنَايَاتِ، كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِابْنِ أَبِي الدَّمِ: عَوَّلْت عَلَيْك، عَهِدْت إلَيْك، وَكَّلْت إلَيْك.

[الْقَوْل فِي الْكِتَابَةِ]

فِيهَا مَسَائِلُ الْأُولَى: فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَتَبَهُ الْأَخْرَسُ فَأَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ نَوَى، وَلَمْ يُشِرْ.

وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ.

وَالثَّالِثُ: صَرِيحٌ. وَأَمَّا النَّاطِقُ: فَإِنْ تَلَفَّظَ بِمَا كَتَبَهُ، حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ يَقَعُ فَيَكُونُ صَرِيحًا. وَإِنْ نَوَى فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا تَطْلُقُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ كَالْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ فَهُوَ نِكَاحٌ وَغَيْرُهُ، فَغَيْرُ النِّكَاحِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ فَفِي انْعِقَادِهَا بِالْكِتَابَةِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَصِحَّ بِهَا فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِلْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْكِنَايَاتِ ; وَلِأَنَّ الْقَبُولَ شَرْطٌ فِيهَا فَيَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِيجَابِ، وَالْمَذْهَبُ الِانْعِقَادُ، ثُمَّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ: لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بِالْقَوْلِ وَهُوَ أَقْوَى وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْقَبُولَ.

وَأَمَّا النِّكَاحُ: فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ، وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ فَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ. وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ: نَوَيْنَا: كَانَ شَهَادَةً عَلَى إقْرَارِهِمَا، لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَمَنْ جَوَّزَ، اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِتَابَةِ، فَذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحُضُورِ: فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ، وَالْأَصَحُّ الِانْعِقَادُ.

<<  <   >  >>