للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ]

ِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُنْصَبٌّ إلَى إنْفَاذِ ذَلِكَ الصَّادِرِ مِنْ بَيْعٍ وَوَقْفٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُنْصَبٌّ إلَى أَثَرِ ذَلِكَ الصَّادِرِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ صُدُورُ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْمَصْدَرِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَعَمَلُ النَّاسِ الْآنَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ، وَطَرِيقَةُ الْحُكَّامِ الْآنَ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ عِنْدَهُمْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْعَامِّ وَشُرُوطِ ذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي يُرَادُ الْحُكْمُ بِهِ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ بِاسْتِيفَاءِ شَرْطِهِ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَحَطُّ مَرْتَبَةً مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى وَفِي بَعْضِهَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ فَلِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا ; لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُخَالَفَةُ صَحَّتْ أَوْ فَسَدَتْ لِأَجْلِ الْإِذْنِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّافِعِيُّ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْأَثَرِ فَسَاغَ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلشَّافِعِيِّ جَرَّدْت حُكْمَك لِلَازِمٍ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِصِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَلَا عَدَمِهِ أَنَا أَقُولُ بِإِبْطَالِهَا فَلَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ.

وَمِنْ الثَّانِي مَا لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ وَلَكِنْ يُبَاعُ وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُ عَدَمَ الْبَيْعِ وَمِنْهُ مَا لَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّارِ الَّتِي لَهَا جَارٌ فَإِنَّهُ يَسُوغُ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِأَخْذِ الْجَارِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ فَتَسَلَّطَ لِأَخْذِ الْجَارِ.

كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي بَيْعِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَلَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِمُوجَبِ شِرَاءِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِأَخْذِ الْجَارِ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ قَالَ: وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إنْ كَانَ صِحَّةُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ وَكَانَتْ لَوَازِمُهُ لَا تَتَرَتَّبُ إلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ. كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ مَانِعًا لِلْخِلَافِ وَاسْتَوَيَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَتْ آثَارُهُ تَتَرَتَّبُ مَعَ فَسَادِهِ قَوِيَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.

<<  <   >  >>