للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ:

قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ ضَرَرًا.

وَعِبَارَةُ ابْنُ الْكَتَّانِيِّ: لَا بُدّ مِنْ النَّظَرِ لِأَخَفِّهِمَا وَأَغْلَظِهِمَا: وَلِهَذَا شُرِعَ الْقِصَاصُ، وَالْحُدُودُ، وَقِتَالُ الْبُغَاةِ، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَدَفْعُ الصَّائِلِ، وَالشُّفْعَةُ وَالْفَسْخُ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ وَالنِّكَاحِ، وَالْإِعْسَارِ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَمَسْأَلَةُ الظَّفَرِ، وَأَخْذُ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ غَيْرِهِ، وَقِتَالُهُ عَلَيْهِ، وَقَطْعُ شَجَرَةِ الْغَيْرِ إذَا حَصَلَتْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ ; وَشَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ إذَا بَلَعَ مَالًا، أَوْ كَانَ فِي بَطِنِهَا وَلَوْ تُرْجَى حَيَاتُهُ: وَرَمْيُ الْكُفَّارِ إذَا تَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ، أَوْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ، وَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ أُجِيبَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرُ شَرِيكِهِ.

وَلَوْ أَحَاطَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُقَاوَمَةَ بِهِمْ: جَازَ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ، وَكَذَا اسْتِنْقَاذُ الْأَسْرَى مِنْهُمْ بِالْمَالِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ مَفْسَدَةَ بَقَائِهِمْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَاصْطِلَامَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ بَذْلِ الْمَالِ.

وَالْخُلْعُ فِي الْحَيْضِ لَا يَحْرُمُ ; لِأَنَّ إنْقَاذَهَا مِنْهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْسَدَةِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَلَوْ وَقَعَ فِي نَارٍ تُحْرِقُهُ، وَلَمْ يُخَلَّصْ إلَّا بِمَاءٍ يُغْرِقُهُ ; وَرَآهُ أَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى لَفَحَاتِ النَّارِ، فَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَائِبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَة لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ بِالنَّصِّ وَطَعَامُ الْغَيْرِ بِالِاجْتِهَادِ.

أَوْ الْمُحْرِمُ مَيْتَةً وَصَيْدًا: فَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ. لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ فِي الصَّيْدِ مَحْظُورَيْنِ: الْقَتْلَ وَالْأَكْلَ.

[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَة: إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]

وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ قَاعِدَةٌ رَابِعَةٌ:

هِيَ " إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا ".

وَنَظِيرُهَا: قَاعِدَةٌ خَامِسَةٌ، وَهِيَ " دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ " فَإِذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَةٌ وَمَصْلَحَةٌ ; قُدِّمَ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا، لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» .

وَمِنْ ثَمَّ سُومِحَ فِي تَرْك بَعْض الْوَاجِبَات بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْفِطْرِ.

وَالطَّهَارَةِ وَلَمْ يُسَامَحْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ: وَخُصُوصًا الْكَبَائِرَ.

وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ:

<<  <   >  >>