للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَجْنَبِيَّة، وَأَنَّهُ زَانٍ بِهَا، فَإِذَا هِيَ حَلِيلَته أَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدهُ مَعْصُومَا، فَبَانَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ دَمَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ، فَبَانَ مِلْكَهُ.

قَالَ الشَّيْخ عِزُّ الدِّينِ: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْم الْفَاسِق لِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّه ; لِأَنَّ الْعَدَالَة إنَّمَا شُرِطَتْ لِتَحْصُلَ الثِّقَةُ بِصِدْقِهِ، وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَقَدْ انْخَرَمَتْ الثِّقَةُ بِذَلِكَ، لِجُرْأَتِهِ بِارْتِكَابِ مَا يَعْتَقِدُهُ كَبِيرَة.

قَالَ: وَأَمَّا مَفَاسِد الْآخِرَة فَلَا يُعَذَّبُ تَعْذِيب زَانٍ وَلَا قَاتِل، وَلَا آكِلٍ مَالًا حَرَامًا لِأَنَّ عَذَاب الْآخِرَة مُرَتَّب عَلَى تَرَتُّب الْمَفَاسِد فِي الْغَالِب، كَمَا أَنَّ ثَوَابهَا مُرَتَّب عَلَى تَرَتُّب الْمَصَالِح فِي الْغَالِب.

قَالَ: وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا يُعَذَّب تَعْذِيبَ مَنْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً ; لِأَجْلِ جُرْأَته وَانْتِهَاك الْحُرْمَة ; بَلْ عَذَابَا مُتَوَسِّطًا بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة.

وَعَكْس هَذَا: مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّة وَهُوَ يَظُنّهَا حَلِيلَة لَهُ لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْعُقُوبَات الْمُؤَاخَذَات الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الزَّانِي اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ وَمَقْصِده.

وَتَدْخُل النِّيَّة أَيْضًا: فِي عَصِير الْعِنَب بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ وَالْخَمْرِيَّة، وَفِي الْهَجْر فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهُ حَرَام، إنْ قَصَدَ الْهَجْر وَإِلَّا فَلَا.

وَنَظِيره أَيْضًا: تَرْك الطِّيب وَالزِّينَة فَوْق ثَلَاثَة أَيَّام لِمَوْتِ غَيْر الزَّوْج، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِقَصْدِ الْإِحْدَاد حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا وَتَدْخُل أَيْضًا فِي نِيَّة قَطْع السَّفَر، وَقَطْع الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة، وَقِرَاءَة الْقُرْآن جُنُبَا بِقَصْدِهِ، أَوْ بِقَصْدِ الذِّكْر. وَفِي الصَّلَاة بِقَصْدِ الْإِفْهَام، وَفِي غَيْر ذَلِكَ وَفِي الْجَعَالَةِ إذَا الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ، فَشَارَكَهُ غَيْره فِي الْعَمَل إنْ قَصَدَ إعَانَته، فَلَهُ كُلّ الْجُعْل، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَل لِلْمَالِكِ فَلَهُ قِسْطه، وَلَا شَيْء لِلْمُشَارِكِ، وَفِي الذَّبَائِح.

فَهَذِهِ سَبْعُونَ بَابًا، أَوْ أَكْثَر، دَخَلَتْ فِيهَا النِّيَّة كَمَا تَرَى.

فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ " تَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْعِلْم " الْمُبَالَغَة وَإِذَا عَدَدْت مَسَائِل هَذِهِ الْأَبْوَاب الَّتِي لِلنِّيَّةِ فِيهَا مَدْخَل لَمْ تَقْصُر عَنْ أَنْ تَكُون ثُلُث الْفِقْه أَوْ رُبْعه.

وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» : أَنَّ الْمُؤْمِن يُخَلَّد فِي الْجَنَّة وَإِنْ أَطَاعَ اللَّه مُدَّة حَيَاته فَقَطْ ; لِأَنَّ نِيَّته أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَبَد الْآبَاد لَاسْتَمَرَّ عَلَى الْإِيمَانِ، فَجُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّة، كَمَا أَنَّ الْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار، وَإِنْ لَمْ يَعْصِ اللَّه إلَّا مُدَّة حَيَاته فَقَطْ ; لِأَنَّ نِيَّته الْكُفْر مَا عَاشَ.

<<  <   >  >>