للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الخراسانيون: فيه وجهان:

أحدهما: يصح مؤقتا؛ لأنه عقد أمان، فصح مؤقتا، كالهدنة.

والثاني: لا يصح إلا مؤبدا، وهو الأصح؛ لأن عقد الذمة إنما يصح بالتزام أحكام المسلمين، وذلك يقتضي التأبيد.

إذا ثبت هذا: فإن عقد الذمة إنما يصح بالتزام شرطين:

أحدهما: أن تجعل عليهم جزية في كل حول، على ما مَضَى.

والثاني: أن يلتزموا أحكام المسلمين في حقوق الآدميين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] الآية [التوبة: ٢٩] .

ومعنى قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] أي: يلتزموها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٥] [التوبة: ٥] والمراد به: التزموا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وسميت الجزية جزية لأنها من جزى يجزي: إذا قضى، قال الله تَعالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] [البقرة: ٤٨] أي: لا تقضي. وتقول العرب: جزيت ديني، أي قضيته.

ومعنى قَوْله تَعَالَى: {عَنْ يَدٍ} [التوبة: ٢٩] أي: عن قوة المسلمين، وقيل: عن منة عليهم بحقن دمائهم، واليد: يعبر بها عن القدرة والمنة، وقيل: عن يد: يعطيه من يده إلى يده، ولا يبعث بها. وقيل: يعطيه نقدا لا نسيئة.

وأمَّا (الصغار) : فقال الشافعيُّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " المختصر ": (هو جريان أحكام الإمام عليهم؛ لأنهم إذا تحاكموا إليه.. حكم عليهم بحكمه، وهو ذل لهم وصغار؛ لأنهم يعتقدون بطلانه، ولا يقدرون على الامتناع منه) .

وقال: في " الأم ": (الصغار: هو التزامهم بجريان أحكامنا عليهم في عقد الذمة) .

فيكون الصغار على ما قاله في " الأم ": هو نفس التزامهم بجريان أحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>