للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرُ مُحْتَمَلًا، وَهُوَ مُشَارَكَةُ ابْنِ الْأَخِ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنَ الْمُرَجِّحَاتِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ: يَسْتَحِقُّ، مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهُ، وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَمِلْنَا بِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ، فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَصْلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَقَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ، فِعْلٌ مُطْلَقٌ، وَقَوْلُهُ: مَا كَانَ وَالِدُهُ يَسْتَحِقُّهُ، عَامٌّ؛ لِأَنَّ (مَا) لِلْعُمُومِ، وَهَذَا الْعُمُومُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ نَصِيبِ وَالِدِهِ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ النَّصِيبِ وَإِلَى نَصِيبِ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ البلقيني: التَّرْتِيبُ يُسْتَفَادُ مِنْ صَرِيحٍ مَرَّةً، وَمِنْ ظَاهِرٍ أُخْرَى، وَمِنْ مُحْتَمَلٍ بِقَرِينَةٍ، فَمِنَ الصَّرِيحِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى، وَمِنَ الظَّاهِرِ التَّعْبِيرُ بِـ (ثُمَّ) وَأَمَّا الْمُحْتَمَلُ بِالْقَرِينَةِ، فَكَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ هَذَا عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي فَهُوَ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِي، فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي، قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَاوِ التَّرْتِيبَ.

(فَائِدَةٌ) وَمِمَّا أَكَّدَ التَّرْتِيبَ فِي هَذَا السُّؤَالِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ تَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِـ (ثُمَّ) فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ ثُمَّ لِذُرِّيَّتِهِمْ، وَقَوْلُهُ: طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَعَ التَّعْبِيرِ بِـ (ثُمَّ) تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا حَتَّى تَنْقَرِضَ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا زِيَادَةُ لَفْظَةِ (أَبَدًا) فِي قَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى، فَإِنَّهَا تُفِيدُ أَمْرَيْنِ: التَّأْبِيدَ وَالتَّأْكِيدَ، فَالتَّأْبِيدُ يُفِيدُ الِاطِّرَادَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ، فَلَا تَحْتَمِلُ الْجُمْلَةُ مَعَهُ التَّخْصِيصَ، بِخِلَافِ مَا سَقَطَتْ مِنْهُ، فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَالتَّأْكِيدُ يُفِيدُ دَفْعَ تَوَهُّمِ عَدَمِ الشُّمُولِ، فَيَثْبُتُ الشُّمُولُ الْمَقْصُودُ هُنَا وَهُوَ حَجْبُ كُلِّ أَعْلَى لِكُلِّ أَسْفَلَ شُمُولًا حَقِيقِيًّا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَإِلَّا لَذَهَبَتْ فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ.

(فَائِدَةٌ) وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا تَنْصِيصُ الْوَاقِفِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَخِ الشَّقِيقِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاقِفُ لَمْ يُعْطِ أَهْلَ الدَّرَجَةِ كُلَّهُمْ بَلْ خَصَّ مِنْهُمُ الْإِخْوَةَ وَلَمْ يُعْطِ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ بَلْ قَدَّمَ الْأَخَ الشَّقِيقَ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ مَعَ أَنَّ أَبَاهُمَا وَاحِدٌ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْقُرْبِ بِالْأُمِّ، فَكَيْفَ يُعْطَى مَنْ لَهُ أَبٌ آخَرُ مَعَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ دَرَجَتِهِ، فَإِنْ تَمَسَّكَ مُتَمَسِّكٌ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ أُقِيمَ وَلَدُهُ مَقَامَهُ، قُلْنَا: يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَخَ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخِ الشَّقِيقِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ بِهَذَا الْوَصْفِ فَيُقَامُ وَلَدُهُ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: وَقَفْتُ مَعَ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى تَقْدِيمِ الشَّقِيقِ وَقَدَّمْتُهُ عَلَى عُمُومِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ، قُلْنَا لَهُ: فَقِفْ هُنَا مَعَ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ إِلَى الْمُتَوَفَّى وَعَلَى حَجْبِ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا لِلسُّفْلَى وَقَدِّمْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>