للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَكْثَرُونَ، وَالشَّيْخَانِ، قَالَ ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ: لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فِي حَاجَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِالْإِذْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَكِّنَةٍ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ ابن الرفعة أَيْضًا: لَوْ صَامَتْ تَطَوُّعًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَفِي وَجْهٍ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ لَمْ يَدْعُهَا إِلَى الْخُرُوجِ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ دَعَاهَا فَأَبَتْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَلَا؛ لِقُرْبِ الزَّمَانِ.

قَالَ ابن الرفعة: وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ دَعَاهَا إِلَى الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمْ تَفْعَلْ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا، وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ فِي الْعِدَّةِ، قَالَ الرافعي: وَقَدِ اسْتَحْسَنَ الروياني هَذَا التَّفْصِيلَ، وَالْأَكْثَرُونَ سَكَتُوا عَنْهُ انْتَهَى.

فَانْظُرْ: إِلَى هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ كَيْفَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِمَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ؛ مَشْيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا تَخْلُو زَوْجَةٌ عَنْ نَفَقَةٍ، وَانْظُرْ إِلَى الرافعي كَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرْ تَفْصِيلَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي، وَلَا قَيَّدَ بِهِ إِطْلَاقَ الْأَصْحَابِ، بَلْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ سَكَتُوا عَنْهُ.

وَهَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ فِيهَا عَدَمَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمَا إِذَا اسْتَمْتَعَ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ إِلَّا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَحْدَهُ؛ جَرْيًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَتَفَطَّنْ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْفِطْنَةِ، وَإِلَّا فَخَلِّ الْهَوَى لِرِجَالِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمِدٍ أَنَّ الرافعي لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى ذِكْرِهِ، بَلْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا أَطْلَقَهَا سَائِرُ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَصْلًا، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ مَا أَغْفَلَهُ الرافعي مِنَ الْقُيُودِ وَالتَّخْصِيصَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ رَآهُ مُفَرَّعًا عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ، فَأَعْرَضَ عَنِ التَّشَاغُلِ بِهِ.

وَإِذْ قَدِ انْتَهَى الْقَوْلُ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ، فَلْنُلَخِّصِ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ: إِذَا سَكَنَ الزَّوْجُ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِهَا فَلَهُ أَحْوَالٌ.

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ هُوَ الطَّالِبَ لِذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ أَوْ أَهْلُهَا كَارِهُونَ لِذَلِكَ، مُرِيدُونَ مِنْهُ أَنْ يَنْقُلَ زَوْجَتَهُ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَأْجِرُهُ، فَهَذَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَأُجْرَةُ الْمَنْزِلِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا إِذَا مَنَعَتْهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا، وَقَدْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَهُوَ وَاضِحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>