للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُسْلِمِ وَاللَّائِقُ بِحَالِهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ قَامَ مالك مِنْ قَبْرِهِ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الْجَنَابِ الرَّفِيعِ لِحِدَةٍ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَهَذَا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ إِذَا عُرِفَ بِالْخَيْرِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ، وَلَا يُكْتَفَى مِنْهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ النَّدَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَلَأِ بِالْخَطَأِ، وَيُبَالِغَ فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيَحْثُوَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَيُكْثِرَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَالِاسْتِقَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَثْرَةِ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى وَجْهِ سَبْقِ اللِّسَانِ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِقَادِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَمِّمُ، فَيَقُولُ مَثَلًا: لَوْ أَمَرَنِي الْإِنْسُ وَالْجِنُّ بِهَذَا مَا سَمِعْتُ لَهُمْ، وَلَوْ رُوجِعَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ لَقَالَ: مَا أَرَدْتُ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ، وَلَوْ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْرِهِ حَقِيقَةً، وَقَالَ لِي: لَبَادَرْتُ إِلَى امْتِثَالِ قَوْلِهِ، وَسَمِعْتُ مِنْ غَيْرِ تَلَعْثُمٍ، وَلَا تَوَقُّفٍ، وَلَكِنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ قُلْتُهَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ؛ لِعِلْمِي بِأَنَّ قِيَامَهُ الْآنَ مِنْ قَبْرِهِ وَقَوْلَهُ لِي غَيْرُ كَائِنٍ وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً، فَهَذَا لَا يُكَفَّرُ، وَلَكِنَّهُ أَتَى بِعَظِيمٍ مِنَ الْقَوْلِ؛ فَيُعْزَلُ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرًا لَائِقًا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى حَدِّ الْقَتْلِ.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِقَادِ، بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا، وَقَالَ لَهُ: الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا حَكَمْتَ لَمْ يَسْمَعْ لَهُ وَهَذَا كُفْرٌ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ٣٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] ، وَقِصَّةُ الَّذِي حَكَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ، وَجَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَحْكُمَ لَهُ فَقَتَلَهُ عمر بِالسَّيْفِ مَشْهُورَةٌ، وَقَدْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا سَمِعْتُ لَهُ حَتَّى يُرِيَنِي النَّصَّ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسُهُ: هُوَ النَّصُّ فَأَيُّ نَصٍّ يُرِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ؟ وَالظَّنُّ بِالْمُسْلِمِ إِنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ عَنِ اعْتِقَادٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي فَمِنْ أَخْطَأِ الْخَطَأِ وَأَقْبَحِهِ، وَأَشَدُّ مِنْ قَوْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي السُّوءِ الْإِفْتَاءُ بِإِبَاحَتِهَا، فَأَمَّا أَصْلُ الْمَقَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لَوْ سَبَّنِي نَبِيٌّ، أَوْ مَلَكٌ لَسَبَبْتُهُ، فَالْجَوَابُ فِيهَا كَمَا قَالَ ابن رشد، وابن الحاج: أَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ؛ بِالضَّرْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>