للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ فِي زَمَنِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ - كَذَا نَقَلَهُ الأسنوي عَنِ الْبَحْرِ للروياني، وَنُقِلَ عَنْهُ، وَعَنْ شَرْحِ الْوَسِيطِ للعجلي أَنَّ الْحَائِضَ يُكْرَهُ لَهَا الْقَضَاءُ.

فَهَذِهِ فُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ، وَالْكَافِرُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ، إِنْ لَمْ يَصِلِ الْأَمْرُ إِلَى دَرَجَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ بَلْ وَلَا بِالْكَرَاهَةِ، وَيُفَارِقُ الْحَائِضَ، فَإِنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ لِلْحَائِضِ عَزِيمَةٌ وَبِسَبَبٍ لَيْسَتْ مُتَعَدِّيَةً بِهِ وَالْقَضَاءَ لَهَا بِدْعَةٌ، وَلِهَذَا قَالَتْ عائشة لِمَنْ سَأَلَتْهَا عَنْ ذَلِكَ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ .

وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ لِلْكَافِرِ بِسَبَبٍ هُوَ مُتَعَدٍّ بِهِ وَإِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَنْهُ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ مَعَ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَالَ الْكُفْرِ، وَعُقُوبَتُهُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. فَاتَّضَحَ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِضِ حَيْثُ يُكْرَهُ لَهَا الْقَضَاءُ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ، بَلْ يَجُوزُ، أَوْ يُنْدَبُ، وَيُقَاسُ بِصَلَاةِ الْكَافِرِ جَمِيعُ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مِنْ زَكَاةٍ وَصَوْمٍ، هَذَا مَا أَخَذْتُهُ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ.

وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ فَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ يُسْتَنْبَطُ مِنْهَا جَوَازُ ذَلِكَ، بَلْ نَدْبُهُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَغَيْرُهُمْ «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ» . قَالَ النووي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَنْ قَالَ: إِنَّ نَذْرَ الْكَافِرِ لَا يَصِحُّ - وَهُمْ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا - حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَيْ يُسْتَحَبُّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ الْآنَ مِثْلَ الَّذِي نَذَرْتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. انْتَهَى.

وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ الْقُرَبَ الَّتِي لَوْ فَعَلَهَا فِي حَالِ كُفْرِهِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ، وَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَقَالَ الخطابي فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ مَأْمُورُونَ بِالطَّاعَةِ.

وَقَالَ القمولي مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا فِي الْجَوَاهِرِ: إِذَا نَذَرَ الْكَافِرُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ الْوَفَاءُ إِذَا أَسْلَمَ فَلَوْ نَذَرَ الْيَهُودِيُّ، أَوِ النَّصْرَانِيُّ صَلَاةً، أَوْ صَوْمًا، ثُمَّ أَسْلَمَ اسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ، وَيَفْعَلُ صَلَاةَ شَرْعِنَا، وَصَوْمَ شَرْعِنَا، لَا صَلَاةَ شَرْعِهِ وَصَوْمَهُ. هَذَا كَلَامُ القمولي.

وَقَالَ ابن دقيق العيد فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النَّذْرِ مِنَ الْكَافِرِ، وَهُوَ قَوْلٌ، أَوْ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَمَنْ يَقُولُ بِهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُؤَوِّلَ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِاعْتِكَافِ يَوْمٍ يُشْبِهُ مَا نَذَرَ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْذُورٌ لِشَبَهِهِ بِالنَّذْرِ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>