للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّيْلُ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ؟ فَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} [الأنبياء: ٣٠] قَالَ: فَالرَّتْقُ: الظُّلْمَةُ، اللَّيْلُ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ. وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢] ، فَكَمَا أَنَّ اللَّيْلَ كَانَ يُسَمَّى لَيْلًا قَبْلَ خَلْقِ الْقَمَرِ فِيهِ، كَذَلِكَ كَانَ يُسَمَّى النَّهَارُ نَهَارًا قَبْلَ خَلْقِ الشَّمْسِ، وَاسْتَمَرَّتِ التَّسْمِيَةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَعْدَ خَلْقِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، فَالنَّهَارُ عَلَى هَذَا غَيْرُ الشَّمْسِ، وَضَوْؤُهَا غَيْرُ نُورِهَا، وَقَالَ الكرماني الْقَدِيمُ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] جَمَعَ الظُّلُمَاتِ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ عَنْ أَشْيَاءَ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَظُلْمَةِ السَّحَابِ وَظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَوَحَّدَ النُّورَ لِأَنَّهُ مُتَّحِدُ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَا يُرَى وَيُرَى بِهِ، وَأَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ لَهُ نُورٌ يَخُصُّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّمْسِ أَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا نَهَارٌ بِلَا شَمْسٍ، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ شعيب بن الحجام قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وأبو الغالب الرياحي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ الْجَنَّةَ هَكَذَا. وَقَدْ وَرَدَتْ آثَارٌ بِأَنَّ الْأَيَّامَ عَلَى عِدَّتِهَا أَجْسَامٌ مَخْلُوقَةٌ تَتَكَلَّمُ وَتُحْشَرُ، كَأَثَرِ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَنْقَضِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، ثُمَّ يُطْوَى عَلَيْهِ فَيُخْتَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَفُضُّ خَاتَمَهُ. أَخْرَجَهُ أبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ والحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَدِيثَ: «تُحْشَرُ الْأَيَّامُ عَلَى هَيْئَتِهَا، وَتُحْشَرُ الْجُمُعَةُ زَهْرَاءَ مُنِيرَةً، أَهْلُهَا يَحُفُّونَ بِهَا كَالْعَرُوسِ، تُضِيءُ لَهُمْ، يَمْشُونَ فِي ضَوْئِهَا» . فَهَذِهِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ لَهُ ضَوْءٌ يَخُصُّهُ، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّمْسِ، لَكِنْ عَارَضَ هَذَا أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] فَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالشَّمْسِ وَالنَّهَارِ، وَكَانَ يَقُولُ: الضُّحَى هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَضُحَاهَا: وَضَوْئِهَا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِالشَّمْسِ وَنَهَارِهَا لِأَنَّ ضَوْءَ الشَّمْسِ الظَّاهِرَةِ هُوَ النَّهَارُ. هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّهَارَ هُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، وَقَالَ الكرماني الْقَدِيمُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا نَصُّهُ: وَالشَّمْسُ سِرَاجُ النَّهَارِ بِالْإِجْمَاعِ، وَضُحَاهَا: ارْتِفَاعُهَا وَضَوْؤُهَا وَحَرُّهَا، وَقِيلَ: هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس: ٣] أَيْ: جَلَّى الظُّلْمَةَ، وَقِيلَ: جَلَّا الشَّمْسَ؛ لِأَنَّهَا تَظْهَرُ بِالنَّهَارِ، وَإِنْ كَانَ النَّهَارُ مِنْ ضَوْئِهَا. هَذِهِ عِبَارَتُهُ، وَهِيَ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>