للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ غَيْرُهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا هِيَ، وَإِنَّ آدَمَ خَبَّأَهَا كَمَا خَبَّأَ عَصَا مُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا غَيْرُهَا، وَإِنَّ اللَّهَ أَهْبَطَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ قَوْسًا مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ وَلَدُهُ إِسْمَاعِيلُ أَرَمَى أَهْلِ زَمَانِهِ، وَعَنْهُ أُخِذَ الرَّمْيُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، وَالَّذِي ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَنَعَهَا هِيَ قَوْسُ النَّبْعِ، وَصَحَّ أَنَّ تَرْكَ الرَّمْيِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ مَعْصِيَةٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى بِالْقَوْسِ وَرَكِبَ الْخَيْلَ مُسْرَجَةً وَمُعَرَّاةً، وَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ وَطَعَنَ بِالرُّمْحِ، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُ قِسِيٍّ: قَوْسٌ تُدْعَى الرَّوْحَاءَ، وَقَوْسٌ تُسَمَّى الْبَيْضَاءَ، وَقَوْسٌ تُسَمَّى الصَّفْرَاءَ، وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِيهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ، وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَإِنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَكُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ بَاطِلٌ إِلَّا تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَرَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ وَمُلَاعَبَةَ امْرَأَتِهِ» " فَهَلْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ صَحِيحَةٌ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ زِيَادَةٌ فَتَفَضَّلُوا بِهَا.

الْجَوَابُ: أَمَّا الْمَنْقُولُ عَنِ الطَّبَرِيِّ أَوَّلًا فَلَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ، وَرَاجَعْتُ تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ فِي تَرْجَمَةِ آدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، وَلَا يَبْعُدُ صِحَّتُهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَطَقَ بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيلُ، وَرَأَيْتُ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَا آدَمُ حَتَّى تَقَادَمَتِ الْعَرَبِيَّةُ فَحُرِّفَتْ وَصَارَتْ سُرْيَانِيَّةً، فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَفَتَقَ اللَّهُ لِسَانَهُ بِهَا، وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى بِالْقَوْسِ وَرَكِبَ الْخَيْلَ، فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ، وَمِنْ رُكُوبِهِ الْخَيْلَ مُعْرَوْرَاتٍ رُكُوبُهُ فَرَسَ أَبِي الدَّحْدَاحِ لَيْلَةَ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» . وَأَمَّا تَقَلُّدُهُ السَّيْفَ. . .

وَأَمَّا حَدِيثُ «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ» - الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، فَأَخْرَجَهُ أبو داود وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَأَمَّا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ إِجَابَةً لِمَا الْتَمَسَ السَّائِلُ، فَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الرَّمْيِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الْقِسِيَّ إِبْرَاهِيمُ، عَمِلَ لِإِسْمَاعِيلَ قَوْسًا وَلِإِسْحَاقَ قَوْسًا، فَكَانُوا يَرْمُونَ بِهِمَا، فَعَلَّمَهُمُ الرَّمْيَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْقَوْسَ الْفَارِسِيَّةَ نمروذ، وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ أبي رافع مَرْفُوعًا: " «حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ وَالسِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ» " وَفِي الصَّحِيحِ: " «ارْمُوا بَنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>