للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ - أَعْنِي حَدِيثَ: «مَنْ قَالَ أَنَا عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ» - وَحَدِيثَ: «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ مُحَمَّدًا فَقَدْ جَهِلَ» . وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابن الجوزي فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَحَدِيثَ: «كَانَ بِالْيَمَنِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ زُعَاقُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ مَاتَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ إِلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَاءُ أَسْلِمْ فَقَدْ أَسْلَمَ النَّاسُ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ حُمَّ وَلَا يَمُوتُ» ، فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَجْزِمْ ليث بِرَفْعِهِ ; لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ صِيغَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الشَّكِّ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ بُطْلَانَ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ثُبُوتُ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ لِيَقَعُوا فِي شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ ذَمٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَا ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ خَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا سُقْتُ رِوَايَاتِهِمْ وَأَلْفَاظَهُمْ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى - بِالصَّوَاعِقِ عَلَى النَّوَاعِقِ - وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ لَا يُطْبِقُونَ عَلَى التَّلَفُّظِ بِمَا ذَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّلَفُّظَ بِهِ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ نَبِيِّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّنْزِيلِ {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥] . فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ حُكِمَ عَلَى الْحَدِيثِ بِالْإِبْطَالِ وليث لَمْ يُتَّهَمْ بِكَذِبٍ؟ قُلْتُ: الْمَوْضُوعُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ تَعَمَّدَ وَاضِعُهُ وَضْعَهُ وَهَذَا شَأْنُ الْكَذَّابِينَ، وَقِسْمٌ وَقَعَ غَلَطًا لَا عَنْ قَصْدٍ وَهَذَا شَأْنُ الْمُخَلِّطِينَ وَالْمُضْطَرِبِينَ فِي الْحَدِيثِ كَمَا حَكَمَ الْحُفَّاظُ بِالْوَضْعِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَهُوَ: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ، حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» فَإِنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَوَاضِعُهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ وَقِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ العراقي فِي أَلْفِيَّتِهِ بِقَوْلِهِ:

وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدْ

، نَحْوَ حَدِيثِ ثابت: " مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ " الْحَدِيثَ.

وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الْوَضْعُ لِلْمُغَفَّلِينَ وَالْمُخَلِّطِينَ وَالسَّيِّئِ الْحِفْظِ بِعَزْوِ كَلَامِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِمَّا كَلَامُ تَابِعِيٍّ، أَوْ حَكِيمٍ، أَوْ أَثَرٌ إِسْرَائِيلِيٌّ كَمَا وَقَعَ فِي: " الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ "، " وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ "، " وَحُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِعَزْوِهِ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَلْتَبِسُ عَلَى الْمُخَلِّطِ فَيَرْفَعُهُ إِلَيْهِ وَهْمًا مِنْهُ، فَيَعُدُّهُ الْحُفَّاظُ مَوْضُوعًا، وَمَا تَرَكَ الْحُفَّاظُ بِحَمْدِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا بَيَّنُوهُ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>