للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَشَبٍ وَمِنْ فَوْقِهَا أَلْوَاحُ الرَّصَاصِ، ثُمَّ فِي أَيَّامِ سُلْطَانِ الْعَصْرِ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ قايتباي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَمَّرَ قُبَّةً أُخْرَى وَأَشْيَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ نُزُولُ صَاعِقَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْمَسْجِدَ بِأَسْرِهِ، وَذَلِكَ فِي لَيْلَةِ ثَالِثَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ الصُّنَّاعَ وَالْآلَاتِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَعَلَيْهِمُ الخواجا شمس الدين بن الزمن، فَهَدَمَ الْحَائِطَ الْقِبْلِيَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ مَدْرَسَةً بَاسْمِ السُّلْطَانِ وَيَجْعَلَ الْحَائِطَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ، وَيَفْتَحَ فِيهِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَشَبَابِيكَ مُطِلَّةً عَلَيْهِ، فَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ مَرْسُومًا مِنَ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ فَبَلَغَهُ مَنْعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: اسْتَفْتُوا الْعُلَمَاءَ، فَأَفْتَاهُ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ بِالْجَوَازِ، وَامْتَنَعَ آخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَاءَنِي الْمُسْتَفْتِي يَوْمَ الْأَحَدِ رَابِعَ عَشَرِيَّ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فَجَمَعْتُ الْأَحَادِيثَ الْمُصَدَّرَ بِهَا، وَأَرْسَلْتُهَا لقاضي القضاة الشافعي، فَذَكَرَ أَنَّهُ يَرَى اخْتِصَاصَهَا بِالْجِدَارِ النَّبَوِيِّ وَقَدْ أُزِيلَ، وَهَذَا الْجِدَارُ مِلْكُ السُّلْطَانِ يَفْتَحُ فِيهِ مَا شَاءَ، وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا إِلَّا بِوَقْفِهِ، فَذَكَرْتُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا، وَأَلْحَقْتُهَا بِالْأَحَادِيثِ مَعَ مَا ذُكِرَ مَعَهَا وَأَفْرَدْتُهَا تَأْلِيفًا، وَرَأَيْتُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ سَادِسَ عَشَرِيَّ رَجَبٍ فِي الْمَنَامِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي هِمَّةٍ وَأَنَا وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَرْسَلَنِي لَا أَدْرِي إِلَى عمر أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا أَدْرِي هَلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ لِأَدْعُوَهُ أَوْ لِأُبَلِّغَهُ رِسَالَةً، وَلَمْ أَضْبُطْ مِنَ الْمَنَامِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ لَا يُتِمَّ لَهُمْ مَا أَرَادُوهُ، ثُمَّ بَرَزَ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ بِالْفَتْحِ حَسْبَمَا أَفْتَاهُ مَنْ أَفْتَاهُ، وَسَافَرَ الْقَاصِدُ بِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ رَجَبٍ وَأَرْسَلَ إِلَى رَجُلَانِ مِنْ كِبَارِ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ يُخْبِرَانِي أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَتِمُّ فَفِي رَمَضَانَ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ رُجِعَ عَنْهُ، وَعَدَلُوا إِلَى الْفَتْحِ مِنَ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّ دَارَ أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَكَانَ لَهُ بَابٌ مَفْتُوحٌ فَيُفْتَحُ نَظِيرُهُ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ.

فَأَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَرَّرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي فَتْحِ الْبَابِ بَلْ أُمِرَ بِسَدِّ بَابِهِ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ وَهِيَ الْمُرَادَةُ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، فَلَا يَجُوزُ الْآنَ فَتْحُ بَابٍ كَبِيرٍ قَطْعًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْمَعْنَى الِاسْتِطْرَاقُ فَيَسْتَوِيَ الْبَابُ وَالْخَوْخَةُ فِي الْجَوَازِ، لِأَنَّ النَّصَّ مِنَ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّفْرِقَةِ حَيْثُ أَمَرَ بِسَدِّ بَابِهِ وَأَبْقَى خَوْخَتَهُ يَمْنَعُ مِنَ التَّسْوِيَةِ وَالْإِلْحَاقِ، وَأَمَّا جَوَازُ فَتْحِ الْخَوْخَةِ الْآنَ فَأَقُولُ: لَوْ بَقِيَتْ دَارُ أبي بكر وَاتَّفَقَ هَدْمُهَا وَإِعَادَتُهَا أُعِيدَتْ بِتِلْكَ الْخَوْخَةِ، كَمَا كَانَتْ بِلَا مِرْيَةٍ، وَكَانَ يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَادَ مِثْلُ تِلْكَ الْخَوْخَةِ قَدْرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>