للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادْخُلُوا فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا - هَذِهِ عِبَارَةُ المرسي فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ - وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ تَمَسَّكُوا بِبَعْضِ أُمُورِ التَّوْرَاةِ وَالشَّرَائِعِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِيهِمْ يَقُولُ: ادْخُلُوا فِي شَرَائِعِ دِينِ مُحَمَّدٍ وَلَا تَدَعُوا مِنْهَا شَيْئًا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لَا تُسَمَّى إِسْلَامًا.

تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ السبكي فِي عِبَارَتِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى عُمُومِ رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِنِّ عِدَّةَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَكْثِيرِ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ وَالْآيَتَيْنِ قَدْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا وَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَإِذَا كَثُرَتْ قَدْ تَتَرَقَّى إِلَى حَدٍّ يَقْطَعُ بِإِرَادَتِهَا ظَاهِرًا وَنَفْيِ الِاحْتِمَالِ وَالتَّأْوِيلِ عَنْهَا، انْتَهَى.

أَقُولُ: وَلِذَلِكَ أَوْرَدْنَا هُنَا ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دَلِيلًا ; لِأَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ قَدْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ وَتَطَرُّقُ الِاحْتِمَالِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرَتْ هَذِهِ الْكَثْرَةَ تَرَقَّتْ إِلَى حَدٍّ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إِرَادَةُ ظَاهِرِهَا وَنَفْيُ الِاحْتِمَالِ وَالتَّأْوِيلِ عَنْهَا، وَعَبَّرْتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ لِأَجْلِ مَا عَارَضَهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهَذَا مَقَامٌ لَا يُنْظَرُ فِيهِ وَيُحْكَمُ بِالتَّرْجِيحِ إِلَّا لِمُجْتَهِدٍ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

آخِرُ الْكِتَابِ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ شَيْخُنَا نَفَعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ: أَلَّفْتُهُ فِي شَوَّالَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ.

مَسْأَلَةٌ:

يَا مُفَرَّدًا بِاجْتِهَادٍ فِي الْأَوَانِ وَيَا ... بَحْرَ الْوَفَا وَالصَّفَا وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ

مَا حَدُّ تَوْحِيدِنَا لِلَّهِ خَالِقِنَا ... سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ أَيْنٍ وَعَنْ مَثَلِ

الْجَوَابُ: رُوِّينَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ المزني أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ هَذَا بَلْ أَنْهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، فَلَقَدْ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سُئِلَ مالك عَنِ الْكَلَامِ وَالتَّوْحِيدِ فَقَالَ مالك: مُحَالٌ أَنْ نَظُنَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الِاسْتِنْجَاءَ وَلَمْ يُعَلِّمْهُمُ التَّوْحِيدَ، وَالتَّوْحِيدُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَمَا عَصَمَ بِهِ الدَّمَ وَالْمَالَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ، هَذَا جَوَابُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَبِهِ أَجَبْتُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>