للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى مَنْزِلِهِ وَرَدَّ إِلَيْهِ جَوَابًا أَيْ: رَجَعَ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: مِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: ١٤٩] ، {رُدُّوهَا عَلَيَّ} [ص: ٣٣] ، {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} [الأنعام: ٧١] وَمِنَ الثَّانِي: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} [القصص: ١٣] ، {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: ٣٦] ، {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [التوبة: ٩٤] ، {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: ٦٢] .

فَصْلٌ: قَالَ الرَّاغِبُ: مِنْ مَعَانِي الرَّدِّ التَّفْوِيضُ، يُقَالُ: رَدَدْتُ الْحُكْمَ فِي كَذَا إِلَى فُلَانٍ أَيْ: فَوَّضْتُهُ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] ، {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] انْتَهَى، وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا جَوَابٌ رَابِعَ عَشَرَ عَنِ الْحَدِيثِ وَهُوَ: أَنَّ الْمُرَادَ فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيَّ رَدَّ السَّلَامِ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الرَّحْمَةُ، وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، فَكَانَ الْمُسَلِّمُ بِسَلَامِهِ تَعَرَّضَ لِطَلَبِ صَلَاةٍ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» ، وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، فَفَوَّضَ اللَّهُ أَمْرَ هَذِهِ الرَّحْمَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدْعُوَ بِهَا لِلْمُسَلِّمِ فَتَحْصُلُ إِجَابَتُهُ قَطْعًا، فَتَكُونُ الرَّحْمَةُ الْحَاصِلَةُ لِلْمُسَلِّمِ إِنَّمَا هِيَ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَسَلَامِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الشَّفَاعَةِ فِي قَبُولِ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ وَالْإِثَابَةِ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ فِي رُوحِي لِمُجَرَّدِ الْمُلَابَسَةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «فَيَرُدُّهَا هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مُحَمَّدٍ» ، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: «لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى» .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إِلَّا فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيَّ أَمَرَ الرَّحْمَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْمُسَلِّمِ بِسَبَبِي، فَأَتَوَلَّى الدُّعَاءَ بِهَا بِنَفْسِي بِأَنْ أَنْطِقَ بِلَفْظِ السَّلَامِ عَلَى وَجْهِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ سَلَامِهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ خَامِسَ عَشَرَ وَهُوَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الرَّحْمَةُ الَّتِي فِي قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةُ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَغْضَبُ فِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>