للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْلَبُ كَاتِبُ السِّرِّ الِاخْتِصَاصَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مَنْ وَقَّعَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَكَذَلِكَ لَا يُسْلَبُ جِبْرِيلُ الِاخْتِصَاصَ بِاسْمِ السَّفِيرِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي وَقْتٍ مَا، وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ غَيْرِ إِسْرَافِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَجَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَشَّرَهُ بِالْخُلَّةِ، فَعَجَبٌ مِنَ الْمُعْتَرِضِ كَيْفَ اقْتَصَرَ عَلَى إِسْرَافِيلَ دُونَ مَجِيءِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِبَارَةَ الَّتِي أَوْرَدْتُهَا " وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ " بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَإِسْرَافِيلُ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حِكْمَتِهِ أَنَّهُ الْمُوَكَّلُ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ قُرْبَ السَّاعَةِ، وَكَانَتْ بَعْثَتُهُ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ إِسْرَافِيلَ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ وَلَمْ يُبْعَثْ إِلَى نَبِيٍّ قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَبْعُوثُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَفِيرٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَفِيرًا إِلَّا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ نَبِيٍّ وَاحِدٍ، وَالْحُكْمُ الْمَنْفِيُّ عَنِ الْمَجْمُوعِ لَا يَلْزَمُ نَفْيُهُ عَنْ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ، فَلَا يَصِحُّ النَّقْضُ بِهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُوهِي أَثَرَ الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، والحاكم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَلَكٌ قَدْ نَزَلَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى الْأَرْضِ قَطُّ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ؛ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتَهُمَا» .

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: هَذَا الْمَلَكُ هُوَ إِسْرَافِيلُ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَبَطَ عَلَيَّ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ مَا هَبَطَ عَلَى نَبِيٍّ قَبْلِي، وَلَا يَهْبِطُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدِي، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَبِّكَ إِلَيْكَ، أَمَرَنِي أُخْبِرُكَ إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعْ، فَلَوْ أَنِّي قَلْتُ نَبِيًّا مَلِكًا لَسَارَتِ الْجِبَالُ مَعِي ذَهَبًا» . وَهَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ بَعْدَ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ بِسِنِينَ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ سَائِرِ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ، وَهُمَا ظَاهِرَانِ فِي أَنَّ إِسْرَافِيلَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَتَاهُ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ؟

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ أَقَمْنَا فِي " الْإِعْلَامِ " الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ عَقِبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ورقة: جِبْرِيلُ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِهِ، وَقَوْلُ ابن سابط: فَوُكِّلَ جِبْرِيلُ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>