للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ مُشَاعًا فِي الْكَفَّارَةِ فَقِيَاسُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ أَنَّهُمْ يَتَسَاوُونَ فِي مِلْكِهِمْ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي فِيمَا إذَا وَضَعَ طَعَامًا فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ يَدَيْ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمْ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ دَيْنَ غُرَمَائِهِ بَيْنَهُمْ.

وَالثَّانِي: وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يَجْزِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّسْوِيَةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذُوهَا عَنْ كَفَّارَتِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهَا.

وَالثَّالِثُ وَافْتِتَاحُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حَقِّهِ أَجْزَأَ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ إذَا أَفْرَدَ سِتِّينَ مُدًّا وَقَالَ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا خُذُوهَا فَأَخَذُوهَا أَوْ قَالَ كُلُوهَا وَلَمْ يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ قَالَ قَدْ مَلَكْتُمُوهَا بِالسَّوِيَّةِ فَأَخَذُوهَا. فَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: يَجْزِيهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذُوهَا عَنْ كَفَّارَتِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ عَلِمَ التَّفَاضُلَ فَمَنْ حَصَلَ مَعَهُ التَّفْضِيلُ فَقَدْ أَخَذَ زِيَادَةً وَمَنْ أَخَذَ أَقَلَّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ وَصَلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَجْزِيهِ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. انْتَهَى.

فَحَكَى الْكُلَّ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي جَعَلَ الْإِجْزَاءَ مُطْلَقًا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَاعْتِبَارُ الْوُصُولِ قَوْلُ الْقَاضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْمُجَرَّدِ وَقَالَ لَعَلَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنِّي نَقَلْتُ مَا ذَكَرْتُهُ. قَالَ: وَلَعَلَّ مِنْ أَصْلِ الْقَاضِي بِخَطِّهِ. ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي أَنَا إنْ قُلْنَا مَلَكُوهَا بِالتَّخْلِيَةِ وَأَنَّهَا قَبْضٌ أَجْزَأَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ عَكْسُهُ وَإِنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا تُمْلَكُ بِدُونِ قَبْضٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِي مَسَائِلِ الْقُبُوضِ وَإِنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ تَحْقِيقِ قَبْضِ كُلِّ وَاحِدٍ لِمِقْدَارِ مَا يُجْزِئُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِدُونِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِيجَابِ لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ خُذُوا هَذَا وَهُوَ لَكُمْ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّسْوِيَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَرَّرُوهُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَأَمَّا مَاحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ طَرْدِ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ قَالَ هُوَ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ بَيْنَكُمْ أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ إطْلَاقَ الْبَيِّنَةِ هَلْ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ أَمْ لَا؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاتَّجِرْ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا. أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضَارَبَةِ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْقَرَارِ بِشَيْءٍ أَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَيْدٍ

<<  <   >  >>