للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى ثَلَاثًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا يَقَعُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَجْهُ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ: إنَّ طَالِقًا اسْمُ فَاعِلٍ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى مَا قَامَ بِهِ الْفِعْلُ مَرَّةً وَأَكْثَرَ، فَيَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلْكَثْرَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِالنِّيَّةِ.

وَرَأَيْت فِي كِتَابِ شَرْحِ الْقَوَافِي لِابْنِ جِنِّي أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا لِلْعُمُومِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ ثَلَاثًا فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا لَكِنْ لَنَا فِيهِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ثَلَاثًا صِفَةٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا وَالْمَصْدَرُ يَتَضَمَّنُ الْعَدَدَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ثَلَاثًا صَالِحٌ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ مِنْ طَرِيقِ الْكِنَايَةِ، وَذَكَرَ الطَّلَاقَ يُقَرِّرُ الْإِيقَاعَ بِهَا، كَنِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَأْخَذَيْنِ هَلْ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَمْ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا، وَلَوْ مَاتَتْ مَثَلًا فِي حَالِ قَوْلِهِ ثَلَاثًا هَلْ تَقَعُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى ثَلَاثًا أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ، أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ لَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ إلَّا بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا بِغَيْرِ خِلَافٍ.

وَمِنْهَا: إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اسْمٍ مُطْلَقٍ وَنَوَى تَعْيِينَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ قَدْ سَبَقَ لَنَا أَنَّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَجْهَيْنِ إذَا قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ بَنَاتٌ وَنَوَيَا وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً، وَإِنَّ مَأْخَذَ الْبُطْلَانِ اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ سَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الشَّهَادَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ فِي الذِّمَّةِ وَنَوَى نَقْدَهُ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَنَقَدَهُ مِنْهُ فَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ الْمَغْصُوبِ أَوْ يَكُونُ صَحِيحًا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنَّمَا خَرَّجَ الْخِلَافَ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ دُونَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهَا ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ نَقْصٌ مِنْهُ وَقَصْرٌ لَهُ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ فَهِيَ الْمُخَصِّصَةُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تُسَمَّى الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّخْصِيصِ مُخَصَّصَاتٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْإِرَادَةِ الْمُخَصَّصَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَدْلُولِهِ فَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْكُمْ بِتَعْمِيمِ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ إلْزَامُ زِيَادَةٍ عَلَى اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَاصَّ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ كَانَ نَصًّا عَلَى الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ لِعِلَّةٍ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةُ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْمُطْلَقِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مُقَيَّدَاتِهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: فَلَهُ صُوَرٌ. مِنْهَا: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إلَّا وَاحِدَةً. فَهَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْبَاطِنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْحَلْوَانِيِّ.

وَالثَّانِي: يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي،

<<  <   >  >>