للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ابْتِدَاءً مَنْ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمُكْرَهَةُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْحَجِّ وَالصِّيَامِ إذَا أَفْسَدْنَا حَجَّهَا وَصِيَامَهَا، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَوْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا عَنْهَا؟ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْأُولَى عَلَى أَنَّهَا تَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ.

وَالْمُكْرَهُ عَلَى حَلْقِ رَأْسِهِ فِي الْإِحْرَامِ تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْحَالِقِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا ; لِأَنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ كَالْإِتْلَافِ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ، وَالْمَذْهَبُ اشْتَرَاك الْمُكْرَهِ فِي الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ ; لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْقَتْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي بَابِ الرَّهْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوَدًا، قَالَا: وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ إذَا اعْتَرَفُوا بِالْعَمْدِ.

وَقَدْ بَيَّنَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَسِيرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَهَاهُنَا الْمُكْرَهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ; لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ تَضْمِينَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ امْتِنَاعِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَأَوْلَى ; لِأَنَّ السَّبَبَ هَاهُنَا غَيْرُ صَالِحٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُتَسَبِّبٌ وَالْآخَرُ مَلْجَأٌ، وَفِي صُورَةِ الِاشْتِرَاكِ هُمَا مُبَاشِرَانِ مُخْتَارَانِ.

وَمِنْهَا: الْمُمْسِكُ مَعَ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ وَالْقَوَدِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَخْتَصُّ الْمُبَاشِرُ بِهِمَا وَيُحْبَسُ الْمَاسِكُ حَتَّى يَمُوتَ.

وَمِنْهَا: لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي الطَّرِيقِ فَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا إلَى جَانِبِهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالضَّمَانِ الْوَاضِعُ جَعْلًا لَهُ كَالدَّافِعِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَالْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ وَحْدَهُ، وَهِيَ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي.

وَمِنْهَا: لَوْ دَلَّ الْمُوَدِّعُ لِصًّا عَلَى الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهَا بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمَا، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا آخَرَ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ دَلَّ حَلَالًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَحْدَهُ، وَهِيَ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الثَّانِي.

وَمِنْهَا: لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ صَيْدٌ وَتَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ:

أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْقَاتِلِ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ.

وَالثَّانِي: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ; عَلَى الْأَوَّلِ بِالْيَدِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُبَاشَرَةِ.

وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ عَيْنًا فِي يَدِ مَنْ هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْيَدِ، هَلْ يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ وَحْدَهُ الْجَمِيعَ دُونَ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْ يَجُوزُ تَضْمِينُ صَاحِبِ الْيَدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ؟ وَفَرَضَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ مَسْأَلَةَ الصَّيْدِ فِي حَالَيْنِ: صَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فَقَتَلَهُ الْآخَرُ

<<  <   >  >>