للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ: هِيَ تَطْلِيقَتَانِ هَذَا كَلَامٌ مُسْتَقِيمٌ وَإِنَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ هِيَ وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بَلْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إذَا كَانَ بَعْدَهَا مُفْرَدٌ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا لِضَمِيرٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْرَبُ، وَالْجُمَلُ لَا تُعْرَبُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ صِلَةً وَلَوْ كَانَ جُمْلَةً لَوَقَعَ صِلَةً وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَدْ أَوْقَعَ قَبْلَهُ وَاحِدَةً ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَتَقَعُ اثْنَتَانِ، كَمَا لَوْ أَتَى بِوَاوِ خَلَعْتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: هَذَا كَلَامٌ مُسْتَقِيمٌ - يَعْنِي أَنَّهُ نُسِّقَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَسَائِرِ الْمَعْطُوفِ بِالْوَاوِ وَثُمَّ وَنَحْوِهِمَا - وَأَمَّا قَوْلُ ابْنَايْ إنَّ مَا قَبْلَهُ يَصِيرُ مَسْكُوتًا عَنْهُ غَيْرَ مُثْبَتٍ وَلَا مَنْفِيٍّ فَهَذَا فِيمَا يَقْبَلُ النَّفْيَ بَعْدَ إثْبَاتِهِ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَتَعَيَّنَ إثْبَاتُ الْأَوَّلِ وَعَطْفُ الثَّانِي عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَثْبَتَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ فَيَكُونُ الْمُثْبَتُ هُوَ الْمَنْفِيَّ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الطَّلْقَةُ الْأُولَى فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ كَأَنَّهُ نَسِيَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُوقَعَ لَا يُنْفَى فَاسْتَدْرَكَ وَأَثْبَتَهُ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ارْتَفَعَ بِنَفْيِهِ فَهَذَا إعَادَةٌ لِلْأَوَّلِ لَا اسْتِئْنَافُ طَلَاقٍ.

(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ أَوْ الثَّلَاثَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْعَهْدُ أَيْ الطَّلَاقُ الْمَعْهُودُ الْمَسْنُونُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ، وَيُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الْجِنْسِ، وَيُرَادُ بِهَا اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ لَكِنَّهَا فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعُمُومِ أَظْهَرُ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدَةُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ. وَعَلَى رِوَايَةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ فَلَوْ نَوَى بِهِ مَا دُونَهَا فَهَلْ يَقَعُ بِهِ مَا نَوَاهُ خَاصَّةً أَوْ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي الثَّلَاثِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ لِلْأَصْحَابِ، وَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ أَوْ التَّخْصِيصَ عُمِلَ بِهِ. وَمَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ تَارَةً فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُمُومَ الْمَصْدَرِ لِأَفْرَادِهِ أَقْوَى مِنْ عُمُومِهِ لِمَفْعُولَاتِهِ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ بِذَاتِهِ عَقْلًا وَلَفْظًا وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَفْعُولَاتِهِ بِوَاسِطَةٍ، فَلَفْظُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَثَلًا يَعُمُّ الْأَنْوَاعَ مِنْهُ وَالْأَعْدَادَ أَبْلَغَ مِنْ عُمُومِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ إذَا كَانَ عَامًّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِهِ لِأَفْرَادِهِ عُمُومُ أَنْوَاعِ مَفْعُولَاتِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَوِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِجَمِيعِ الزَّوْجَاتِ دُونَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِالْوَاحِدَةِ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجَاتِ الْمُتَعَدِّدَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ صِيغَةَ عُمُومٍ لَكِنْ إذَا لَمْ يَنْوِ عُمُومَهُ كَانَ مُخَصَّصًا بِالشَّرْعِ عِنْدَ مَنْ

<<  <   >  >>