للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَأَمَّا إنْ قِيلَ بِالْمِلْكِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ حَكَى فِي التَّلْخِيصِ فِي الصَّرْفِ الْمُتَعَيَّنِ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقَبْضِ هَهُنَا مُؤَثِّرٌ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ، فَلَا يَصِحُّ وُرُودُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْبِرَامِهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ الْمَنْعُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْعُقُودِ الْقَهْرِيَّةِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَصِحُّ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّلْخِيصِ

النَّوْعُ الثَّانِي عُقُودٌ يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا نَعْلَمُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا، وَسَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ رَدُّ الْمُبْهَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي جَوَازِ رَدِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ بِمَوْتِهِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْهِبَةُ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بِمُجَرَّدِهِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَيْهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ يَنْقَطِعُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ وَلَيْسَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِوَجْهٍ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالتَّطَوُّعُ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِدُونِ الْقَبْضِ كَمَا سَبَقَ فَلَا كَلَامَ عَلَى هَذَا، وَعَلَى التَّخْرِيجِ الْمَذْكُورِ يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْهِبَةِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَابْنِ بُخْتَانَ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيُرِيدُ رَجُلٌ يَقْضِيه عَنْهُ مِنْ زَكَاتِهِ قَالَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ هُوَ مُحْتَاجٌ وَيَخَافُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ يَأْكُلُهُ قَالَ يَقُولُ لَهُ حَتَّى يُوَكِّلَهُ فَيَقْضِيه عَنْهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَلَكَ الزَّكَاةَ بِالتَّعْيِينِ وَالْقَبُولِ وَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْوِكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ حَنْبَلٌ فِي مَسَائِلِهِ أَنَّ أَحْمَدَ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ أَبِي سَلَمَةَ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ طَعَامٌ أَمَرَ لَهُ بِهِ سُلْطَانٌ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَالْعَبْدُ مِثْلُ ذَلِكَ وَالدَّابَّةُ يَبِيعُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ لِدُخُولِهِ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَمَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ رِبْحٌ، فَأَمَّا لَوْ نَوَى بِتَمَلُّكِهِ التِّجَارَةَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُعَدَّةِ لِلرِّبْحِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

هَذَا الْكَلَامُ فِي الْعُقُودِ فَأَمَّا الْمِلْكُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْمِيرَاثِ وَالْغَنِيمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْوَالِ الْوَقْفِ أَوْ الْفَيْءِ لِلْمُتَنَاوِلِينَ مِنْهُ كَالْمُرْتَزِقَةِ فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ وَأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُمْ الْمِلْكُ وَتَعَيَّنَ مِقْدَارُهُ جَازَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ خِلَافٍ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ وَلَا عَلَاقَةَ لِأَحَدٍ مَعَهُمْ وَيَدُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ يَدِ الْمُودَعِ وَنَحْوِهِ الْأُمَنَاءُ وَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَلَهُ حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يُوجَدَ سَبَبُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ

<<  <   >  >>