للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الزبداني أَنَّ اشْتِهَارَ فَلَسِهِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ مُطْلَقًا.

وَمِنْهَا لَوْ وُجِدَ مُضْطَرًّا وَعِنْدَهُ طَعَامٌ فَاضِلٌ فَبَادَرَ فَبَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ هَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي الرَّهْنِ يَصِحُّ، وَيَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْبَائِعُ مِثْلُهُ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الطَّلَبِ وَبَعْدَهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بَعْدَ الطَّلَبِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ بَلْ وَلَوْ قِيلَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِاضْطِرَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ بَذْلَهُ لَهُ وَاجِبٌ بِالثَّمَنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ طَالَبَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ وَأَوْلَى، لِأَنَّ هَذَا يَجِبُ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّفِيعَ حَقُّهُ مُتَعَيَّنٌ فِي عَيْنِ الشِّقْصِ، وَهَذَا حَقُّهُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ، وَلِهَذَا كَانَ إطْعَامُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَوَجَبَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُجَرَّدٌ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ:

مِنْهَا بَيْعُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا فَلَيْسَ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ وَلَا بِمَعْنَى انْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهَا، وَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهَا عَيْنًا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا، فَلَا يَتَوَجَّهُ انْحِصَارُ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهَا بِحَالٍ.

وَمِنْهَا بَيْعُ الْجَانِي يَصِحُّ فِي الْمَنْصُوصِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَسَوَاءٌ طَالَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ أَمْ لَا لِأَنَّ حَقَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَلَكَهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلَمْ نَجْدِ مَحَلًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ سِوَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي فَانْحَصَرَ الْحَقُّ فِيهَا بِمَعْنَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَذْلِهِ جَازَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا لَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَإِنَّهُمَا بَدَلٌ لَزِمَ قَبُولُهُ وَالْمُطَالَبَةُ مِنْهُ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ بِحَقِّهِ وَحَقُّهُ هُوَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لَا مِلْكُ رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ.

وَمِنْهَا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ سَيِّدُهُ وَقُلْنَا حَقُّهُ ثَابِتٌ فِيهِ بِالْقِيمَةٍ فَبَاعَهُ الْمُغْتَنِمُ قَبْلَ أَخْذِ سَيِّدِهِ صَحَّ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ صَحَّ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِأَخْذِهِ أَوْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ.

وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَفِي صِحَّتِهْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَعَلَى الْمَنْعِ يَنْفُذُ بِالْعِتْقِ كَالرَّهْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِهِمْ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ تَبَعٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوَرِّثِ فِي مَرَضِهِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ فِي الْمَرَضِ.

وَمِنْهَا تَصَرُّفُ الزَّوْجَةِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ إذَا قُلْنَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قَهْرًا، قَالَ

<<  <   >  >>