للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل:

ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين، لما روى الأحنف بن قيس: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم، فعليهم ديته، رواه الإمام أحمد؛ ولأن فيه مصلحة، فإنه ربما تعذر الشراء على المسلمين، ولا يلزمنهم ذلك إلا برضاهم؛ لأنه أداء مال فلم يلزمهم بغير رضاهم، كالجزية، وإن امتنعوا من قبول الشرط، لم تعقد لهم الذمة؛ لأنه شرط سائغ، فإذا امتنعوا منه، لم تعقد لهم، كالجزية. فإن لم تشترط عليهم الضيافة، لم تجب؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمعاذ: خذ من كل حالم دينارا» ولم يذكر الضيافة. ومن أصحابنا من قال: تجب بغير شرط، كما تجب على المسلمين. وتقسم الضيافة عليهم على قدر جزيتهم، والأولى أن يبين عدد أيام الضيافة من السنة، وعدد من يضاف من الرجال والفرسان، وقدر الطعام والإدام والعلوفة؛ لأنه أبعد من اللبس. فإن أطلق ذلك، جاز. ولا يجب عليهم في الضيافة أكثر من يوم وليلة؛ لأن ذلك الواجب على المسلم، ولا يكلفون إلا من طعامهم وإدامهم، لما روى أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالوا: إن المسلمين إذا مروا بنا، كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم، فقال: أطعموهم مما تأكلون، ولا تزيدوهم على ذلك. ولا تزاد الضيافة على ثلاثة أيام، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الضيافة ثلاثة أيام» . وذكر القاضي: أن تقدير أيام الضيافة، وعدد من يضاف، والطعام، والإدام، والعلوفة شرط؛ لأنه من الجزية، فاعتبر العلم به، كالنقود. والأول أولى؛ لأن عمر لم يقدره، ولما شكوا إليه اعتداء الأضياف، قال: أطعموهم مما تأكلون. وللمسلمين النزول في الكنائس، والبيع؛ لأن عمر صالح أهل الشام على أن يوسعوا أبواب كنائسهم، وبيعهم لمن يجتاز بهم من المسلمين، ليدخلها المسلمون ركبانا. فإن لم يجدوا مكانا، فلهم النزول في الأفنية، وفضول المنازل من غير أن يحولوا ذا منزل عن منزله. فإن لم يسعهم، فالسابق أحق، فإن تساووا، وتشاحوا، أقرع بينهم. فإن امتنع أهل الذمة مما شرط عليهم، أجبروا عليه، فإن لم يمكن إلا بالمقاتلة، قوتلوا، فإن قاتلوا، انتفض عهدهم.

فصل:

ويثبت الإمام عدد أهل الذمة، وأسماءهم، وأنسابهم، ودينهم، وحلاهم التي لا تتغير بالأيام، كالطول، والقصر، والبياض، والسواد، والسمرة، فيكتب أدعج العينين،

<<  <  ج: ص:  >  >>