للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحداهما: لا يلزمه؛ لأن الزرع لا حرمة له في نفسه.

والثانية: يلزمه؛ لما روى إياس بن عبد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع فضل الماء» رواه أبو داود. وإن لم يفضل عنه شيء، لم يلزمه بذله؛ لأن الوعيد على منع الفضل يدل على جواز منع غيره، ولأن ما يحتاج إليه يستضر ببذله، فلم يجب بذله كحبله ودلوه.

الضرب الثاني: الماء النابع في الموات، فمن سبق إلى شيء منه، فهو أحق به؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به» ، وإن أراد أن يسقي أرضًا، وكان الماء في نهر عظيم لا يستضر أحد بسقيه، جاز أن يسقي كيف شاء؛ لأنه لا ضرر فيه على أحد، وإن كان نهرًا صغيرًا، أو من مياه الأمطار، بدئ بمن في أول النهر فيسقي، ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه، كذلك إلى الآخر؛ لما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: «أنه بلغه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في سيل مهزور ومذينيب: يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل» أخرجه مالك في الموطأ.

وعن عبد الله بن الزبير: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك: فغضب الأنصاري فقال: كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قال: يا زبير، اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر» متفق عليه.

وشراج الحرة: مسايل الماء، جمع شرج، وهو النهر الصغير، ولأن السابق إلى أول النهر كالسابق إلى أول المشرعة، وإن كانت أرض الأول بعضها أنزل من بعض، سقى كل واحدة على حدتها، فإن أراد إنسان إحياء أرض على النهر. بحيث إذا سقاها يستضر أهل الأرض الشاربة منه منع منه؛ لأن من ملك أرضًا كانت له حقوقها ومرافقها، واستحقاق السقي من هذا النهر من حقوقها، فلا يملك غير إبطاله.

فصل

فإن اشترك جماعة في استنباط عين، اشتركوا في مائها، وكان بينهم على ما اتفقوا عليه عند استخراجها، فإن اتفقوا على سقي أرضهم منها بالمهايأة جاز، وإن أرادوا قسمته بنصب حجر، أو خشبة مستوية في مصدم الماء، فيها نقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز، وتخرج حصة كل واحد منهما في ساقيته منفردة، وإن أراد أحدهما أن يسقي نصيبه أرضًا لا حق لها في الشرب منه فله ذلك؛ لأن الماء لا حق لغيره فيه، فكان له التصرف فيه كيف شاء، كما لو انفرد بالعين وفيه وجه آخر: أنه لا يجوز؛ لأنه يجعل لهذه الأرض رسمًا في الشرب منه، فمنع منه، كما لو كان له داران متلاصقتان في دربين، أراد فتح إحداهما إلى الأخرى، وليس لأحدهما فتح ساقية في

<<  <  ج: ص:  >  >>