للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحيح حَدِيث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: " فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» . وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ. قَالَ الْقَاضِي: خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ إِنَّمَا صَارَ إِلَى إِسْقَاطِ سَجْدَةِ (ص) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ آيَةَ السُّجُودِ مِنْ سُورَةِ (ص) فَنَزَلَ وَسَجَدَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنْ رَأَيْتُكُمْ تُشِيرُونَ لِلسُّجُودِ فَنَزَلْتُ فَسَجَدْتُ» . وَفِي هَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْحُجَّةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِ السُّجُودِ، لِأَنَّهُ عَلَّلَ تَرْكَ السُّجُودِ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ بِعِلَّةٍ انْتَفَتْ فِي غَيْرِهَا مِنَ السَّجَدَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الَّتِي انْتَفَتْ عَنْهَا الْعِلَّةُ بِخِلَافِ الَّتِي ثَبَتَتْ لَهَا الْعِلَّةُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَجْوِيزِ دَلِيلِ الْخِطَابِ.

وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ بِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ» . قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهُوَ مُنْكَرٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَى سُجُودَهُ فِي الْمُفَصَّلِ لَمْ يَصْحَبْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِلَّا بِالْمَدِينَةِ. رَوَى الثِّقَاتُ عَنْهُ: «أَنَّهُ سَجَدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي {وَالنَّجْمِ} [النجم: ١] » .

وَأَمَّا وَقْتُ السُّجُودِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَمَنَعَ قَوْمٌ السُّجُودَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي مَنْعِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَمَنَعَ مَالِكٌ أَيْضًا ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ النَّفْلِ، وَالنَّفْلُ مَمْنُوعٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ أَوْ تَتَغَيَّرْ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَأَنَّ السُّنَنَ تُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ تَدْنُ الشَّمْسُ مِنَ الْغُرُوبِ أَوِ الطُّلُوعِ.

;

وَأَمَّا عَلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ حُكْمُهَا؟ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَارِئِ فِي صَلَاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي السَّامِعِ هَلْ عَلَيْهِ سُجُودٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْجُدُ السَّامِعُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا إِذَا كَانَ قَعَدَ لِيَسْمَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>