للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَهِيَ إِذَا مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ -: فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَوْمٌ قَالُوا: إِنْ أَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ عَنْهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِهَا إِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَبْدَأُ بِهَا، وَعَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَالِ يُبَاعُ بَعْدَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَأْخُذُ الْمُصَّدِّقُ الزَّكَاةَ مِنَ الْمَالِ نَفْسِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْفَاذِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ، وَالْعُشْرُ مَأْخُوذٌ مِنَ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنَ الْحَبِّ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَالَ مَالِكٌ: الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَشْبِيهُ بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ بِتَفْوِيتِهِ وَإِتْلَافِ عَيْنِهِ، فَمِنْ شَبَّهَهُ بِذَلِكَ قَالَ: الزَّكَاةُ مُتَرَتِّبَةٌ فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ وَالْمُفَوِّتِ. وَمَنْ قَالَ: الْبَيْعُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ لِعَيْنِ الْمَالِ وَلَا تَفْوِيتٍ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ، قَالَ: الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ، ثُمَّ هَلِ الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ أَوْ غَيْرُ مَفْسُوخٍ نَظَرٌ آخَرُ يُذْكَرُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ اخْتِلَافُهُمْ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَذْهَبِ، لَمْ نَرَ أَنْ نَتَعَرَّضَ لَهُ إِذْ كَانَ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِغَرَضِنَا مَعَ أَنَّهُ يَعْسُرُ فِيهَا إِعْطَاءُ أَسْبَابِ تِلْكَ الْفُرُوقِ لِأَنَّهَا أَكْثَرَهَا اسْتِحْسَانِيَّةٌ، مِثْلُ تَفْصِيلِهِمُ الدُّيُونَ الَّتِي تُزَكَّى مِنَ الَّتِي لَا تُزَكَّى، وَالدُّيُونَ الْمُسْقِطَةَ لِلزَّكَاةِ مِنَ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا.

فَهَذَا مَا رَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَشُرُوطُ الْمِلْكِ الَّتِي تَجِبُ بِهِ، وَأَحْكَامُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ.

وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ حُكْمٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ: مَاذَا حُكْمُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَلَمْ يَجْحَدْ وَجُوبَهَا؟ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَبِذَلِكَ حَكَمَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ مِنَ الْعَرَبِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَاتَلَهُمْ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُمْ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ، وَبِقَوْلِ عُمَرَ قَالَ الْجُمْهُورُ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنَ الْفَرَائِضِ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ وُجُوبَهَا.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ اسْمُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ الْعَمَلِ فَقَطْ، أَوْ مِنْ شَرْطِهِ وُجُودُ الْعَمَلِ مَعَهُ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ وُجُودَ الْعَمَلِ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالشَّهَادَةِ إِذَا صَدَّقَ بِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ.

وَالْجُمْهُورُ - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ - عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ - أَعْنِي: فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ الَّذِي ضِدُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>