للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُمَا اسْمَانِ دَالَّانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذَا النَّظَرِ هُوَ لُغَوِيٌّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلَالَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ اسْتِقْرَاءِ اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَا اسْمَيْنِ دَالَّيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يَخْتَلِفُ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَا أَنَّ هَذَا رَاتِبٌ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرٍ غَيْرِ الْقَدْرِ الَّذِي الْآخَرُ رَاتِبٌ عَلَيْهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: ١٧٧] فَقَالَ مَالِكٌ: هُمُ الْعَبِيدُ يُعْتِقُهُمُ الْإِمَامُ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هُمُ الْمُكَاتَبُونَ.

وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ عِنْدَهُمُ: الْمُسَافِرُ فِي طَاعَةٍ يَنْفَدُ زَادُهُ فَلَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ. وَبَعْضُهُمْ يَشْتَرِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ السَّبِيلِ جَارَ الصَّدَقَةِ.

وَأَمَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فَقَالَ مَالِكٌ: سَبِيلُ اللَّهِ مَوَاضِعُ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ الْغَازِي جَارُ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جَارَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ؛ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَنْقِيلُ الصَّدَقَةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

كَمْ يَجِبُ لَهُمْ؟

وَأَمَّا قَدْرُ مَا يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ: أَمَّا الْغَارِمُ فَبِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ دَيْنُهُ فِي طَاعَةٍ وَفِي غَيْرِ سَرَفٍ بَلْ فِي أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ السَّبِيلِ يُعْطَى مَا يَحْمِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا يَحْمِلُهُ إِلَى مَغْزَاهُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ ابْنَ السَّبِيلِ الْغَازِيَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يُعْطَى الْمِسْكِينُ الْوَاحِدُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَصَرَفَهُ إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ. وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنَ الْمَسَاكِينِ مِقْدَارَ نِصَابٍ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُعْطَى أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُعْطَى مَا يَبْتَاعُ بِهِ خَادِمًا إِذَا كَانَ ذَا عِيَالٍ وَكَانَتِ الزَّكَاةُ كَثِيرَةً، وَكَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطَى عَطِيَّةً يَصِيرُ بِهَا مِنَ الْغِنَى فِي مَرْتَبَةِ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَوْقَ الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ صَارَ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْغِنَى فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا الْقَدْرِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَأَنَّهَا تُبْنَى عَلَى مَعْرِفَةِ أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْغِنَى.

وَأَمَّا الْعَامِلُ عَلَيْهَا: فَلَا خِلَافَ عِنْدِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ.

فَهَذَا مَا رَأَيْنَا أَنْ نُثْبِتَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنْ تَذَكَّرْنَا شَيْئًا مِمَّا يُشَاكِلُ غَرَضَنَا أَلْحَقْنَاهُ بِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

<<  <  ج: ص:  >  >>