للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ.

وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فِي صِفَةِ حَجِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ» كَمَا قُلْنَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنْ تُفْرَدَ كُلُّ صَلَاةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَخْطُبْ يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ سِرًّا، وَأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مَكِّيًّا هَلْ يَقْصُرُ بِمِنًى الصَّلَاةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَبِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَبِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: سُنَّةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ التَّقْصِيرُ سَوَاءً أَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّ أَحَدًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَعْنِي: بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْهَا. وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ وَمِنًى، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ بِعَرَفَةَ وَلَا بِمِنًى أَيَّامَ الْحَجِّ لَا لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَا لِغَيْرِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مِنْ أَهْلِ عَرَفَةَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَ أَمِيرُ الْحَجِّ مِمَّنْ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَلَا بِعَرَفَةَ صَلَّى بِهِمْ فِيهَا الْجُمُعَةَ إِذَا صَادَفَهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَ وَالِي مَكَّةَ يَجْمَعُ بِهِمْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.

وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ ارْتَفَعَ، فَوَقَفَ بِجِبَالِهَا دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَوَقَفَ مَعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَيْقَنَ غُرُوبَهَا، وَبَانَ لَهُ ذَلِكَ دَفَعَ مِنْهَا إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ» . وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ سُنَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَفَاضَ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ - أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِوُقُوفِهِ ذَلِكَ. وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ، فَيَقِفْ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ يَقِفْ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ - فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ الدِّيلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْحَجُّ عَرَفَاتٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>