للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَمَضَانَ.

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا حَجَّا مِنْ قَابِلٍ تَفَرَّقَا، أَعْنِي: الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ -، وَقِيلَ: لَا يَفْتَرِقَانِ. وَالْقَوْلُ بِأَنْ لَا يَفْتَرِقَا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَيْنَ يَفْتَرِقَانِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ أَفْسَدَا الْحَجَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَا أَحْرَمَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ.

فَمَنْ آخَذَهُمَا بِالِافْتِرَاقِ فَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَعُقُوبَةً، وَمَنْ لَمْ يُؤَاخِذْهُمَا بِهِ فَجَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا بِسَمَاعٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي الْجِمَاعِ مَا هُوَ؟

قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ شَاةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُهُ إِلَّا بَدَنَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتِ الْبَدَنَةُ دَرَاهِمَ، وَقُوِّمَتِ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، قَالَ: وَالْإِطْعَامُ وَالْهَدْيُ لَا يُجْزِي إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ نَقْصٍ دَخَلَ الْإِحْرَامَ مِنْ وَطْءٍ، أَوْ حَلْقِ شَعْرٍ، أَوْ إِحْصَارٍ - فَإِنَّ صَاحِبَهُ إِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، وَلَا يَدْخُلُ الْإِطْعَامُ فِيهِ. فَمَالِكٌ شَبَّهَ الدَّمَ اللَّازِمَ هَاهُنَا بِدَمِ الْمُتَمَتِّعِ، وَالشَّافِعِيُّ شَبَّهُهُ بِالدَّمِ الْوَاجِبِ فِي الْفِدْيَةِ. وَالْإِطْعَامُ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ وَكَفَّارَةِ إِزَالَةِ الْأَذَى.

وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ الصِّيَامَ وَالْإِطْعَامَ قَدْ وَقَعَا بَدَلَ الدَّمِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَلَمْ يَقَعْ بَدَلَهُمَا إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. فَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَلَى الْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْإِطْعَامِ أَوْلَى، فَهَذَا مَا يَخُصُّ الْفَسَادَ بِالْجِمَاعِ.

[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

وَأَمَّا الْفَسَادُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، وَهُوَ أَنْ يَفُوتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ - فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَعْنِي أَنَّهُ يَحِلُّ وَلَا بُدَّ بِعُمْرَةٍ، وَأَنَّ عَلَيْهِ حَجَّ قَابِلٍ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَعُمْدَتُهُمْ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ، وَيَحُجُّ مِنْ قَابَلٍ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. وَحُجَّةُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهَدْيِ إِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ فَلَا هَدْيَ إِلَّا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ.

وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَكَانَ قَارِنًا - هَلْ يَقْضِي حَجًّا مُفْرَدًا؟ أَوْ مَقْرُونًا بِعُمْرَةٍ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَقْضِي قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْإِفْرَادُ ; لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ، فَلَيْسَ يَقْضِي إِلَّا مَا فَاتَهُ.

وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ ذَلِكَ إِلَى عَامٍ آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَ مَالِكٍ، إِلَّا أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ؛ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الْهَدْيُ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ.

وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>