للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ مَنْ شَبَّهَ الْأَمْوَالَ بِالرِّقَابِ قَالَ: الْكُفَّارُ كَمَا لَا يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ، كَحَالِ الْبَاغِي مَعَ الْعَادِلِ أَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَمَنْ قَالَ: مَنْ لَيْسَ يَمْلِكُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلشَّيْءِ إِنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ ضَامِنِينَ لِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَزِمَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِغَيْرِ مَالِكِينَ لِلْأَمْوَالِ، فَهُمْ مَالِكُونَ، إِذْ لَوْ كَانُوا غَيْرَ مَالِكِينَ لَضَمِنُوا.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُكْمِ قَبْلَ الْغُنْمِ وَبَعْدَهُ; وَبَيْنَ مَا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ بِغَلَبَةٍ أَوْ بِغَيْرِ غَلَبَةٍ; بِأَنْ صَارَ إِلَيْهِمْ مِنْ تِلْقَائِهِ; مِثْلَ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْفَرَسِ الْعَائِدِ فَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ يَجِدُ وَسَطًا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إِمَّا أَنْ يَمْلِكَ الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْئًا، أَوْ لَا يَمْلِكَهُ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ، لَكِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْمَذْهَبِ إِنَّمَا صَارُوا إِلَيْهِ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ أَصَابُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ أَصَبْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَكَ، وَإِنْ أَصَبْتَهُ بَعْدَ الْقَسْمِ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ» .

لَكِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِيمَا أَحْسَبُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ قَضَاءُ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَيْسَ يَجْعَلُ لَهُ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْقَسْمِ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ أَبِي حَنِيفَةَ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ مَا عَدَا هَذَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: إِنَّهُ إِذَا أَصَابَهَا مَوْلَاهَا بَعْدَ الْقَسْمِ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْدِيَهَا ; فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَ سَيِّدَهَا عَلَى فِدَائِهَا ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أُعْطِيَتْ لَهُ ; وَاتَّبَعَهُ الَّذِي أُخْرِجَتْ فِي نَصِيبِهِ بِقِيمَتِهَا دَيْنًا مَتَى أَيْسَرَ ; هُوَ قَوْلٌ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْكُفَّارُ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ مَلَكُوهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ سَمَاعٌ.

وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي مِنَ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يَمْلِكُ الْمُشْرِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ لَا يَمْلِكُ؟

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ وَبِيَدِهِ مَالُ مُسْلِمٍ هَلْ يَصِحُّ لَهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَصْلِهِ لَا يَصِحُّ لَهُ.

وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ إِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ إِلَى الْكُفَّارِ عَلَى جِهَةِ التَّلَصُّصِ وَأَخَذَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ مَالَ مُسْلِمٍ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ أَرَادَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يَجْرِ عَلَى أَصْلِهِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ وَيُهَاجِرُ وَيَتْرُكُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَدَهُ وَزَوْجَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>