للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الدِّينَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَقَطْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ» . وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْحَسَبَ فِي ذَلِكَ هُوَ بِمَعْنَى الدِّينِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ كَوْنُ الْحُسْنِ لَيْسَ مِنَ الْكَفَاءَةِ. وَكُلُّ مَنْ يَقُولُ بَرَدِّ النِّكَاحِ مِنَ الْعُيُوبِ يَجْعَلُ الصِّحَّةَ مِنْهَا مِنَ الْكَفَاءَةِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْحُسْنُ يُعْتَبَرُ لِجِهَةٍ مَا.

وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّ الْفَقْرَ مِمَّا يُوجِبُ فَسْخَ إِنْكَاحِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، أَعْنِي: إِذَا كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، فَالْمَالُ عِنْدَهُ مِنَ الْكَفَاءَةِ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا مِنَ الْكَفَاءَةِ؛ لِكَوْنِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لِتَخْيِيرِ الْأَمَةِ إِذَا عُتِقَتْ. وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ يَرَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْكَفَاءَةِ، وَأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَتَهُ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، أَعْنِي: الْبِكْرَ. وَأَنَّ الثَّيِّبَ الرَّشِيدَةَ إِذَا رَضِيَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوْلِيَاءِ مَقَالٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَهْرُ الْمِثْلِ مِنَ الْكَفَاءَةِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَمَّا فِي الْأَبِ فَلِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ لَهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ شَيْئًا؟ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا فِي الثَّيِّبِ فَلِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ تَرْتَفِعُ عَنْهَا الْوِلَايَةُ فِي مِقْدَارِ الصَّدَاقِ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً كَمَا تَرْتَفِعُ فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا الْمَالِيَّةِ؟ أَمْ لَيْسَ تَرْتَفِعُ الْوِلَايَةُ عَنْ مِقْدَارِ الصَّدَاقِ؛ إِذْ كَانَتْ لَا تَرْتَفِعُ عَنْهَا فِي التَّصَرُّفِ فِي النِّكَاحِ، وَالصَّدَاقُ مِنْ أَسْبَابِهِ؟ وَقَدْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَخْلَقَ بِمَنْ يَشْتَرِطُ الْوِلَايَةَ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، وَلَكِنْ أَتَى الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ.

وَيَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْوِلَايَةِ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَهِيَ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُنْكِحَ وَلِيَّتَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ أَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ، أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ. وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ أَمَّ سَلَمَةَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ» ؛ لِأَنَّ ابْنَهَا كَانَ صَغِيرًا. وَمَا ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، فَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا» . وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنْكِحَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا عَلَى الْخُصُوصِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِكَثْرَةِ خُصُوصِيَّتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ تَرَدَّدَ قَوْلُهُ فِي الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>