للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ، فَقَالَتْ: ثَلِّثْ» . وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هُوَ " ثَلِّثْ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ خَرَّجَهُ مَالِكٌ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ بَصْرِيٌّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَصَارَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى مَا خَرَّجَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَصَارَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى مَا خَرَّجَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي: هَلْ مُقَامُهُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ وَاجِبٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُسْتَحَبُّ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: حَمْلُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ: بِالرَّضَاعِ وَخِدْمَةِ الْبَيْتِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا أَوْجَبُوا عَلَيْهَا الرَّضَاعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَوْمٌ لَمْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا بِإِطْلَاقٍ. وَقَوْمٌ أَوْجَبُوا ذَلِكَ عَلَى الدَّنِيئَةِ، وَلَمْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيفَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطِّفْلُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا ثَدْيَهَا، وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ آيَةُ الرَّضَاعِ مُتَضَمِّنَةٌ حُكْمَ الرَّضَاعِ - أَعْنِي: إِيجَابَهُ -، أَوْ مُتَضَمِّنَةٌ أَمْرَهُ فَقَطْ؟ فَمَنْ قَالَ: أَمْرُهُ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّضَاعُ إِذْ لَا دَلِيلَ هُنَا عَلَى الْوُجُوبِ. وَمَنْ قَالَ تَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالرَّضَاعِ وَإِيجَابَهُ ; وَأَنَّهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي مَفْهُومُهَا مَفْهُومُ الْأَمْرِ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّنِيئَةِ وَالشَّرِيفَةِ فَاعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا رَضَاعَ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا، فَعَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَجْرُ الرَّضَاعِ. هَذَا إِجْمَاعٌ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ لِلْأُمِّ إِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، وَكَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَلِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْمَسْبِيَّةَ إِذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا ; فَأَخَصُّ بِذَلِكَ الْحُرَّةُ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ حَدَّ التَّمْيِيزِ: فَقَالَ قَوْمٌ: يُخَيَّرُ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِأَثَرٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ. وَبَقِيَ قَوْمٌ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِ الْأَبِ يَقْطَعُ الْحَضَانَةَ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» . وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ طَرَدَ الْأَصْلَ.

وَأَمَّا نَقْلُ الْحَضَانَةِ مِنَ الْأُمِّ إِلَى غَيْرِ الْأَبِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>