للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْإِيلَاءِ]

ِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] ، وَالْإِيلَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ، إِمَّا مُدَّةً هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ بِإِطْلَاقٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ.

وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْإِيلَاءِ فِي مَوَاضِعَ: فَمِنْهَا: هَلْ تُطَلَّقُ الْمَرْأَةُ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْمَضْرُوبَةِ بِالنَّصِّ لِلْمُولِي، أَمْ إِنَّمَا تُطَلَّقُ بِأَنْ يُوقَفَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ؟ وَمِنْهَا: هَلِ الْإِيلَاءُ يَكُونُ بِكُلِّ يَمِينٍ، أَمْ بِالْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ فِي الشَّرْعِ فَقَطْ؟ . وَمِنْهَا: إِذا أَمْسَكَ عَنِ الْوَطْءِ بِغَيْرِ يَمِينٍ هَلْ يَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا؟ وَمِنْهَا: هَلِ الْمُولِي هُوَ الَّذِي قَيَّدَ يَمِينَهُ بِمُدَّهٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ أَوِ الْمُولِي هُوَ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِمُدَّهٍ أَصْلًا؟ وَمِنْهَا: هَلْ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ؟ وَمِنْهَا: إِنْ أَبَى الطَّلَاقَ وَالْفَيْءَ هَلْ يُطَلِّقُ الْقَاضِي عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَمِنْهَا: هَلْ يَتَكَرَّرُ الْإِيلَاءُ إِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا مِنْ غَيْرِ إِيلَاءٍ حَادِثٍ فِي الزَّوَاجِ الثَّانِي؟ .

وَمِنْهَا: هَلْ مِنْ شَرْطِ رَجْعَةِ الْمُولِي أَنْ يَطَأَ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَا؟ وَمِنْهَا: هَلْ إِيلَاءُ الْعَبْدِ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ إِيلَاءِ الْحُرِّ أَمْ لَا؟ . وَمِنْهَا: هَلْ إِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَلْزَمُهَا عِدَّةٌ أَمْ لَا؟ فَهَذِهِ هِيَ مَسَائِلُ الْخِلَافِ الْمَشْهُورَةُ فِي الْإِيلَاءِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الَّتِي تَتَنَزَّلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَنْزِلَةَ الْأُصُولِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ خِلَافَهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا، وَعُيُونَ أَدِلَّتِهِمْ، وَأَسْبَابَ خِلَافِهِمْ عَلَى مَا قَصَدْنَا.

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: أَمَّا اخْتِلَافُهُمْ هَلْ تُطَلَّقُ بِانْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ نَفْسِهَا، أَمْ لَا تُطَلَّقُ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ أَنْ يُوقَفَ فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ؟ فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبَا ثَوْرٍ، وَدَاوُدَ، وَاللَّيْثَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يُوقَفُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ هَذَا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ - وَبِالْجُمْلَةِ الْكُوفِيُّونَ - إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِانْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ إِلَّا أَنْ يَفِيءَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] أَيْ: فَإِنْ فَاءُوا قَبْلَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَهَا؟ فَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا قَالَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَمَعْنَى الْعَزْمِ عِنْدَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>