للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ شُرُوطِ الرَّقَبَةِ الْمُعْتَقَةِ.

وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِطْعَامِ: فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُجْزِي لِمِسْكِينٍ مِسْكِينٍ مِنَ السِّتِّينَ مِسْكِينًا الَّذِينَ وَقَعَ عَلَيْهِمُ النَّصُّ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ: هُوَ أَقَلُّ، وَقَدْ قِيلَ: هُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَمُدٌّ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى اعْتِبَارُ الشِّبَعِ غَالِبًا (أَعْنِي: الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ) ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَهَذَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَوَاضِعِ تَعَدُّدِهَا وَمَوَاضِعِ اتِّحَادِهَا، فَمِنْهَا إِذَا ظَاهَرَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسْوَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ هَلْ يُجْزِي فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، أَمْ يَكُونُ عَدَدُ الْكَفَّارَاتِ عَلَى عَدَدِ النِّسْوَةِ؟ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِي فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ بِعَدَدِ الْمُظَاهَرِ مِنْهُنَّ إِنِ اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَيْنِ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثًا، وَإِنْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ.

فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْجَبَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً ; وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْإِيلَاءِ أَوْجَبَ فِيهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ بِالْإِيلَاءِ أَشْبَهُ.

وَمِنْهَا: إِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ شَتَّى هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ عَلَى عَدَدِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ظَاهَرَ فِيهَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، إِلَّا أَنْ يُظَاهِرَ، ثُمَّ يُكَفِّرَ، ثُمَّ يُظَاهِرَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّأْكِيدَ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الظِّهَارِ كَانَ مَا أَرَادَ وَلَزِمَهُ مِنَ الْكَفَّارَاتِ عَلَى عَدَدِ الظِّهَارِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى عَدَدِ الظِّهَارِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى. وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الظِّهَارَ الْوَاحِدَ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْمُتَعَدِّدُ بِلَا خِلَافٍ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِلَفْظَيْنِ مِنِ امْرَأَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، فَإِنْ كَرَّرَ اللَّفْظَ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهَلْ يُوجِبُ تَعَدُّدُ اللَّفْظِ تَعَدُّدَ الظِّهَارِ، أَمْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فِيهِ تَعَدُّدًا؟ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ اللَّفْظُ وَاحِدًا وَالْمُظَاهَرُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَسِّطَاتِ بَيْنَ ذَيْنِكَ الطَّرَفَيْنِ; فَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَ الطَّرَفِ الْوَاحِدِ أَوْجَبَ لَهُ حُكْمَهُ; وَمَنْ غَلَّبَ شَبَهَ الطَّرَفِ الثَّانِي أَوْجَبَ لَهُ حُكْمَهُ.

وَمِنْهَا: إِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْ لَا؟ فَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، وَالطَّبَرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَالْحُجَّةُ لَهُمْ «حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ: " أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>