للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ دَعَتْ بِالطِّيبِ فَمَسَحَتْ بِهِ عَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَالِي بِهِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ، فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَظْرٍ فَهُوَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ دُونَ الْإِيجَابِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَفِي الْأَمْرِ إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ (أَعْنِي: هَلْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوِ الْإِبَاحَةَ؟) . وَسَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ أَنَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الْإِحْدَادَ عِبَادَةٌ لَمْ يُلْزِمْهُ الْكَافِرَةَ; وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ، وَهُوَ تَشَوُّفُ الرِّجَالِ إِلَيْهَا وَهِيَ إِلَى الرِّجَالِ، سَوَّى بَيْنَ الْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ; وَمَنْ رَاعَى تَشَوُّفَ الرِّجَالِ دُونَ تَشَوُّفِ النِّسَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ إِذَا كَانَتِ الصَّغِيرَةُ لَا يَتَشَوَّفُ الرِّجَالُ إِلَيْهَا.

وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمُسْلِمَاتِ دُونَ الْكَافِرَاتِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ» ، قَالَ: وَشَرْطُهُ الْإِيمَانَ فِي الْإِحْدَادِ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِبَادَةٌ.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ وَكَذَلِكَ الْكِتَابِيَّةِ، فَلِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَوْجَبَتْ شَيْئَيْنِ بِاتِّفَاقٍ: أَحَدُهُمَا الْإِحْدَادُ، وَالثَّانِي تَرْكُ الْخُرُوجِ، فَلَمَّا سَقَطَ تَرْكُ الْخُرُوجِ عَنِ الْأَمَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى اسْتِخْدَامِهَا سَقَطَ عَنْهَا مَنْعُ الزِّينَةِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَمِنْ قِبَلِ تَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَأُمُّ الْوَلَدِ، فَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى إِسْقَاطِ الْإِحْدَادِ عَنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ» فَعُلِمَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّ مَنْ عَدَا ذَاتِ الزَّوْجِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِحْدَادٌ.

وَمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا دُونَ الْمُطَلَّقَةِ تَعَلَّقَ بِالظَّاهِرِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَمَنْ أَلْحَقَ الْمُطَلَّقَاتِ بِهِنَّ فَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْإِحْدَادِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>