للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ اسْتِثْنَاءُ أَثْمَانِ الْكِلَابِ الْمُبَاحَةِ الِاتِّخَاذِ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ فَثَابِتٌ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ مُبَاحُ الْمَنَافِعِ. فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِلَابِ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي بَيْعِ الزَّيْتِ النَّجِسِ وَمَا ضَارَعَهُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ النَّجِسِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ إِذَا بَيَّنَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَحُجَّةُ مَنْ حَرَّمَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ» . وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الشَّيْءِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ وَحُرِّمَ مِنْهُ وَاحِدَةٌ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ أَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحَرَّمَ مِنْهُ سَائِرُ الْمَنَافِعِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْحَاجَةِ إِلَى الْمُحَرَّمَةِ، فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَمْرُ وَالْمَيْتَةُ وَالْخِنْزِيرُ، وَبَقِيَتْ سَائِرُ مُحَرَّمَاتِ الْأَكْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ (أَعْنِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِيهَا مَنَافِعُ سِوَى الْأَكْلِ فَبِيعَتْ لِهَذَا) جَازَ، وَرَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الزَّيْتِ النَّجِسِ لِيُسْتَصْبَحَ بِهِ، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ وَعَمَلُ الصَّابُونِ مَعَ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا مَعَ تَحْرِيمِ ثَمَنِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةً أُخْرَى تَمْنَعُ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ وَهُوَ أَلْزَمُ لِلْأَصْلِ (أَعْنِي: لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ) .

وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ فِي غَسْلِهِ وَطَبْخِهِ هَلْ هُوَ يُؤَثِّرُ فِي عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَمُزِيلٌ لَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ مَنْعُهُ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزَّيْتَ إِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ هَلْ نَجَاسَتُهُ نَجَاسَةُ عَيْنٍ أَوْ نَجَاسَةُ مُجَاوَرَةٍ؟ فَمَنْ رَآهُ نَجَاسَةَ مُجَاوَرَةٍ طَهَّرَهُ عِنْدَ الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ، وَمَنْ رَآهُ نَجَاسَةَ عَيْنٍ لَمْ يُطَهِّرْهُ عِنْدَ الطَّبْخِ وَالْغَسْلِ.

وَمِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إِذَا حُلِبَ، فَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزَانِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ. وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ بَيْعَهُ أَنَّهُ لَبَنٌ أُبِيحَ شُرْبُهُ فَأُبِيحَ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ سَائِرِ الْأَنْعَامِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى تَحْلِيلَهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الطِّفْلِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُحَرَّمٌ، إِذْ لَحْمُ ابْنِ آدَمَ مُحَرَّمٌ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَلْبَانَ تَابِعَةٌ لِلُّحُومِ، فَقَالُوا فِي قِيَاسِهِمْ: هَكَذَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَبَنِهِ، أَصْلُهُ لَبَنُ الْخِنْزِيرِ، وَالْأَتَانِ. فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ تَعَارُضُ أَقْيِسَةِ الشَّبَهِ. وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا نَذْكُرُ مِنَ الْمَسَائِلِ فِي كُلِّ بَابٍ الْمَشْهُورَ؛ لِيَجْرِيَ ذَلِكَ مَجْرَى الْأُصُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>