للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِفَتَيْنِ وَهُوَ الْادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ، وَتَمَسَّكْتُ فِي اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الطُّعْمُ وَحْدَهُ لَاكْتَفَى بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مِنْهَا عَدَدًا عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ، وَهِيَ كُلُّهَا يَجْمَعُهَا الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ. أَمَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ فَنَبَّهَ بِهِمَا عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالسُّكَّرِ، وَالْعَسَلِ، وَالزَّبِيبِ، وَنَبَّهَ بِالْمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا إِنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ، وَاتِّفَاقِ الْقَدْرِ، وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ الْقَدْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَامِلِهِ بِخَيْبَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ: «إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ، يَدًا بِيَدٍ» ، رَأَوْا أَنَّ التَّقْدِيرَ (أَعْنِي: الْكَيْلَ، أَوِ الْوَزْنَ) هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ الصِّنْفِ، وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ مَشْهُورَةً فِيهَا تَنْبِيهٌ قَوِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ، أَوِ الْوَزْنِ.

مِنْهُمْ: أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ زِيَادَةً، وَهِيَ: «كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ» ، وَفِي بَعْضِهَا: " وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ "، هَذَا نَصٌّ لَوْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ، وَلَكِنْ إِذَا تُؤُمِّلَ الْأَمْرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ظَهَرَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ عِلَّتَهُمْ أَوْلَى الْعِلَلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا إِنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ الْغَبْنِ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهِ، وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ إِنَّمَا هُوَ مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي، وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إِدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الذَّوَاتِ جُعِلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ لِتَقْوِيمِهَا (أَعْنِي: تَقْدِيرَهَا) ، وَلَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الذَّوَاتِ (أَعْنِي: غَيْرَ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَكِيلَةِ) الْعَدْلُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ النِّسْبَةِ (أَعْنِي: أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إِلَى جِنْسِهِ نِسْبَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْآخَرِ إِلَى جِنْسِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَدْلَ إِذَا بَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>