للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِحْدَاهُمَا الْمَنْعُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ ; وَالثَّانِيَةُ الْإِجَازَةُ فِي الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ فَقَطْ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

وَأَجْمَعُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّجُلِ ثَمَرَ حَائِطِهِ، وَاسْتِثْنَاءِ نَخَلَاتٍ مُعَيَّنَاتٍ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ شِرَائِهَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ حَائِطٍ لَهُ عِدَّةَ نَخَلَاتٍ غَيْرَ مُعَيَّنَاتٍ إِلَّا بِتَعَيُّنِ الْمُشْتَرِي لَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَبَايِعَانِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْحَائِطَ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ عِدَّةَ نَخَلَاتٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ لِمَكَانِ اخْتِلَافِ صِفَةِ النَّخِيلِ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إِجَازَتُهُ; وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ فِي النَّخَلَاتِ، وَأَجَازَهُ فِي اسْتِثْنَاءِ الْغَنَمِ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي شِرَاءِ نَخَلَاتٍ مَعْدُودَةٍ مِنْ حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ مَكِيلَهُ مِنْ حَائِطٍ; قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَمَنَعَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ الَّذِينَ تَدُورُ الْفَتْوَى عَلَيْهِمْ، وَأَلَّفْتُ الْكِتَابَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثُّنْيَا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ مَكِيلٍ مِنْ جُزَافٍ; وَأَمَّا مَالِكٌ، وَسَلَفُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَمَنَعُوهُ فِيمَا فَوْقَهُ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الثُّنْيَا عَلَى مَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَشَبَّهُوا بَيْعَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى بِبَيْعِ الصُّبْرَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَبْلَغُ كَيْلِهَا فَتُبَاعُ جُزَافًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَيْلٌ مَا، وَهَذَا الْأَصْلُ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، (أَعْنِي: إِذَا اسْتُثْنِيَ مِنْهَا كَيْلٌ مَعْلُومٌ) .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْكُوفِيُّونَ وَلَا الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ الثَّمَنَ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مَجْهُولًا، وَمَالِكٌ يَقُولُ: إِذَا كَانَتِ الْإِجَارَةُ مَعْلُومَةً لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَجْهُولًا، وَرُبَّمَا رَآهُ الَّذِينَ مَنَعُوهُ مِنْ بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَفُ أَوِ الْبَيْعُ كَمَا قُلْنَا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إِجَازَةِ السَّلَفِ وَالشَّرِكَةِ، فَمَرَّةً أَجَازَ ذَلِكَ، وَمَرَّةً مَنَعَهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي وُجُودِ عِلَلِ الْمَنْعِ فِيهَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَمَنْ قَوِيَتْ عِنْدَهُ عِلَّةُ الْمَنْعِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْهَا مَنْعَهَا، وَمَنْ لَمْ تَقْوَ عِنْدَهُ أَجَازَهَا، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى ذَوْقِ الْمُجْتَهِدِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَادَّ يُتَجَاذَبُ الْقَوْلُ فِيهَا إِلَى الضِّدَّيْنِ عَلَى السَّوَاءِ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهَا، وَلَعَلَّ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَادِّ يَكُونُ الْقَوْلُ بِتَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ صَوَابًا، وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى التَّخْيِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>