للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنِ اطَّرَدَ إِلَيْهِ الْقَوْلُ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى حَيْثُ كُنَّا فنَقُولُ: إِنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي الْعَوَرِ، وَالْعَمَى، وَقَطْعِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ أَنَّهَا عُيُوبٌ مُؤَثِّرَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ فِي أَيِّ عُضْوٍ كَانَ، أَوْ كَانَ فِي جُمْلَةِ الْبَدَنِ، وَالشَّيْبُ فِي الْمَذْهَبِ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الِاسْتِحَاضَةُ عَيْبٌ فِي الرَّقِيقِ وَالْوَخْشُ، وَكَذَلِكَ ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ عَيْبٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالزَّعَرُ عَيْبٌ، وَأَمْرَاضُ الْحَوَاسِّ وَالْأَعْضَاءِ كُلُّهَا عَيْبٌ بِاتِّفَاقٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مَا أَثَّرَ فِي الْقِيمَةِ (أَعْنِي: نَقَصَ مِنْهَا) فَهُوَ عَيْبٌ، وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ عَيْبٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُرَدُّ الْجَارِيَةُ بِهِ، وَلَا يُرَدُّ الْعَبْدُ بِهِ، وَالتَّأْنِيثُ فِي الذَّكَرِ وَالتَّذْكِيرُ فِي الْأُنْثَى عَيْبٌ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا فِيهِ الِاخْتِلَافَ.

النَّظَرُ الثَّانِي: وَأَمَّا شَرْطُ الْعَيْبِ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ بِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا قَبْلَ أَمَدِ التَّبَايُعِ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ فِي الْعُهْدَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا، فَيَجِبُ هَاهُنَا أَنْ نَذْكُرَ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي الْعُهْدَةِ، فَنَقُولُ: انْفَرَدَ مَالِكٌ بِالْقَوْلِ بِالْعُهْدَةِ دُونَ سَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَسَلَفُهُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَمَعْنَى الْعُهْدَةِ: أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ حَدَثَ فِيهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ، وَهِيَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا عُهْدَتَانِ:

عُهْدَةُ ثَلَاثَةِ الْأَيَّامِ: وَذَلِكَ مِنْ جَميعِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ فِيهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي.

وَعُهْدَةُ السَّنَةِ: وَهِيَ مِنَ الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ: الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، فَمَا حَدَثَ فِي السَّنَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ، وَمَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْعُيُوبِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصْلِ.

وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالْجُمْلَةِ بِمَنْزِلَةِ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَأَيَّامِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالنَّفَقَةُ فِيهَا وَالضَّمَانُ مِنَ الْبَائِعِ.

وَأَمَّا عُهْدَةُ السَّنَةِ: فَالنَّفَقَةُ فِيهَا وَالضَّمَانُ مِنَ الْمُشْتَرِي إِلَّا مِنَ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذِهِ الْعُهْدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الرَّقِيقِ، وَهِيَ أَيْضًا وَاقِعَةٌ فِي أَصْنَافِ الْبُيُوعِ فِي كُلِّ مَا الْقَصْدُ مِنْهُ الْمُمَاكَسَةُ وَالْمُحَاكَرَةُ، وَكَانَ بَيْعًا لَا فِي الذِّمَّةِ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.

وَعُهْدَةُ السَّنَةِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ بَعْدَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فِي الْأَشْهَرِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَزَمَانُ الْمُوَاضَعَةِ يَتَدَاخَلُ مَعَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ إِنْ كَانَ زَمَانُ الْمُوَاضَعَةِ أَطْوَلَ مِنْ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ. وَعُهْدَةُ السَّنَةِ لَا تَتَدَاخَلُ مَعَ عُهْدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ.

وَقَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ: لَا يَتَدَاخَلُ مِنْهَا عُهْدَةٌ مَعَ ثَانِيَةٍ، فَعُهْدَةُ الِاسْتِبْرَاءِ أَوَّلًا، ثُمَّ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ، ثُمَّ عُهْدَةُ السَّنَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>