للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنِ أَوْجَبَ رَدَّهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَأَيْضًا مَنْ جَعَلَهَا فِي حُكْمِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَتْ فَاسِدَةَ الْبَيْعِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ الثَّمَنِ (أَعْنِي: الزِّيَادَةَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الثَّمَنِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، بَلِ الْحُكْمُ لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِالثَّمَنِ أَصْلًا وَهُوَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالثَّمَنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: ٢٤] قَالُوا: وَإِذَا لَحِقَتِ الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَاقِ بِالصَّدَاقِ لَحِقَتْ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ.

وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي: بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ فِي الشُّفْعَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ: مَنْ رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ تَقَرَّرَ قَالَ: الزِّيَادَةُ هِبَةٌ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَعَقْدٌ ثَانٍ عَدَّهَا مِنَ الثَّمَنِ.

[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ]

الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ وَإِذَا اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ: فَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ بِالْجُمْلَةِ، وَمُخْتَلِفُونَ فِي التَّفْصِيلِ (أَعْنِي: فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِالْأَيْمَانِ وَالتَّفَاسُخِ) .

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٌ: إِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ مَا لَمْ تَفُتْ عَيْنُ السِّلْعَةِ، فَإِنْ فَاتَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَشْهَبُ صَاحِبُ مَالِكٍ: يَتَحَالَفَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ; وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَالْفَوْتُ عِنْدَهُ يَكُونُ بِتَغْيِيرِ الْأَسْوَاقِ، وَبِزِيَادَةِ الْمَبِيعِ، وَنُقْصَانِهِ.

وَقَالَ دَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ زُفَرُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّفَاسُخُ عِنْدَهُمْ وَالتَّحَالُفُ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوِ الْمَثْمُونِ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّحَالُفُ، وَالتَّفَاسُخُ، وَإِنَّمَا صَارَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَى الْقَوْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ بِالتَّحَالُفِ، وَالتَّفَاسُخِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي عَدَدِ الثَّمَنِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، أَوْ يَتَرَادَّانِ» .

فَمَنْ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وُجُوبِ التَّفَاسُخِ، وَعُمُومِهِ قَالَ: يَتَحَالَفَانِ فِي كُلِّ حَالٍ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>