للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَى فِيهَا دَعْوَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي قَالَ: إِذَا قَبَضَ السِّلْعَةَ، أَوْ فَاتَتْ فَقَدْ صَارَ الْقَبْضُ شَاهِدًا لِلْمُشْتَرِي، وَشُبْهَةً لِصِدْقِهِ، وَالْيَمِينُ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ شُبْهَةً، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ مَالِكٍ فِي الْأَيْمَانِ; وَلِذَلِكَ يُوجِبُ فِي مَوَاضِعَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَفِي مَوَاضِعَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبِ الْيَمِينُ بِالنَّصِّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي الْأَكْثَرِ أَقْوَى شُبْهَةً، فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي مَوَاطِنَ أَقْوَى شُبْهَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ فِي حَيِّزِهِ.

وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ، وَمُدَّعٍ عَلَيْهِ عَدَدًا مَا فِي الثَّمَنِ.

وَأَمَّا دَاوُدُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فَرَدُّوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا خَرَّجَهُ مَالِكٌ.

وَعَنْ مَالِكٍ: إِذَا نَكَلَ الْمُتَبَايِعَانِ عَنِ الْأَيْمَانِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: الْفَسْخُ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ؟ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ خِلَافٌ، فَالْأَشْهَرُ الْبَائِعُ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ، وَهَلْ إِذَا وَقَعَ التَّفَاسُخُ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَخْتَارَ قَوْلَ صَاحِبِهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ.

[الْجُزْءُ الْخَامِسُ الْأَحْكَامُ الْعَامَّةُ لِلْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ]

الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ النَّظَرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْبُيُوعِ (وَهُوَ النَّظَرُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إِذَا وَقَعَ) : فَنَقُولُ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبُيُوعَ الْفَاسِدَةَ إِذَا وَقَعَتْ وَلَمْ تَفُتْ بِإِحْدَاثِ عَقْدٍ فِيهَا أَوْ نَمَاءٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ أَنَّ حُكْمَهَا الرَّدُّ (أَعْنِي: أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَالْمُشْتَرِي الْمَثْمُونَ) .

وَاخْتَلَفُوا إِذَا قُبِضَتْ وَتُصُرِّفَ فِيهَا بِعِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ: هَلْ ذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ الْقِيمَةَ، كَذَلِكَ إِذَا نَمَتْ أَوْ نَقَصَتْ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَوْتًا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الرَّدُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ الْقِيمَةَ إِلَّا مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الرِّبَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَوْتٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَالْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ، وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ: فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ: فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ.

فَالشَّافِعِيَّةُ تُشَبِّهُ الْمَبِيعَ الْفَاسِدَ لِمَكَانِ الرِّبَا، وَالْغَرَرَ بِالْفَاسِدِ لِمَكَانِ تَحْرِيمِ عَيْنِهِ; كَبَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِيهِ فَوْتٌ.

وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إِنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ عَدَمِ الْعَدْلِ فِيهَا (أَعْنِي: بُيُوعَ الرِّبَا وَالْغَرَرِ) ، فَإِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ فَالْعَدْلُ فِيهَا هُوَ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ; لِأَنَّهُ قَدْ تُقْبَضُ السِّلْعَةُ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا، وَتُرَدُّ وَهِيَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ; وَلِذَلِكَ يَرَى مَالِكٌ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فَوْتًا فِي الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ.

وَمَالِكٌ يَرَى فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ أَنَّهُ إِذَا فَاتَ وَكَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْلِفَ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ مَا لَمْ تَكُنْ أَزْيَدَ مِنَ الثَّمَنِ; لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>